الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } * { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }

مدنية وآيها اثنتا عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } " روي أنه عليه الصلاة والسلام خلا بمارية في نوبة عائشة رضي الله تعالى عنها أو حفصة، فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت. وقيل شرب عسلاً عند حفصة، فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له إنا نشمُّ منك ريح المعافير فحرم العسل فنزلت ". { تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَجِكَ } تفسير لـ { تُحَرّمُ } أو حال من فاعله أو استئناف لبيان الداعي إليه. { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لك هذه الزلة فإنه لا يجوز تحريم ما أحله الله. { رَّحِيمٌ } رحمك حيث لم يؤاخذك به وعاتبك محاماة على عصمتك.

{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـٰنِكُمْ } قد شرع لكم تحليلها وهو حل ما عقَّدتهُ بالكفارة، أو الاستثناء فيها بالمشيئة حتى لا تحنث من قولهم: حلل في يمينه إذا استثنى فيها، واحتج بها من رأى التحريم مطلقاً أو تحريم المرأة يميناً، وهو ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يميناً مع احتمال أنه عليه الصلاة والسلام أتى بلفظ اليمين كما قيل { وَٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } متولي أمركم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } بما يصلحكم { ٱلْحَكِيمُ } المتقن في أفعاله وأحكامه { وَإِذَ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوٰجِهِ } يعني حفصة { حَدِيثاً } تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما { فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } واطلع النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أي على إفشائه. { عَرَّفَ بَعْضَهُ } عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت. { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } عن أعلام بعض تكرماً أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض، ويؤيده قراءة الكسائي بالتخفيف فإنه لا يحتمل ههنا غيره لكن المشدد من باب إطلاق اسم المسبب على السبب والمخفف بالعكس، ويؤيد الأول قوله: { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } فإنه أوفق للإِسلام.

{ إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ } خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة. { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول الله عليه الصلاة والسلام بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } وإن تتظاهرا عليه بما يسؤوه، وقرأ الكوفيون بالتخفيف. { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـٰلِحُ الْمُؤْمِنِينَ } فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين، فإن الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه، ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه.

السابقالتالي
2