الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ } * { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } * { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } ملائكة تحفظ أعملكم، وهم الكرام الكاتبون، والحكمة فيه أن المكلف إذا علم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد كان أزجر عن المعاصي، وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه. { حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } ملك الموت وأعوانه. وقرأ حمزة «توفاه» بالألف ممالة. { وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ } بالتواني والتأخير. وقرىء بالتخفيف، والمعنى: لا يجاوزون ما حد لهم بزيادة أو نقصان.

{ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَىٰ ٱللَّهِ } إلى حكمه وجزائه. { مَوْلَـٰهُمُ } الذي يتولى أمرهم. { ٱلْحَقّ } العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وقرىء بالنصب على المدح. { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } يومئذ لا حكم لغيره فيه. { وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ } يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة لا يشغله حساب عن حساب.

{ قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } من شدائدهما، استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهما في الهول وإبطال الإِبصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب، أو من الخسف في البر والغرق في البحر. وقرأ يعقوب { يُنَجّيكُمْ } بالتخفيف والمعنى واحد. { تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } معلنين ومسرين، أو إعلاناً وإسراراً وقرأ أبو بكر هنا وفي «الأعراف» { وَخُفْيَةً } بالكسر وقرىء { خِيفَةً }. { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على إرادة القول أي تقولون لئن أنجيتنا. وقرأ الكوفيون «لئن أنجانا» ليوافق قوله { تَدْعُونَهُ } وهذه إشارة إلى الظلمة.

{ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا } شدده الكوفيون وهشام وخففه الباقون. { وَمِن كُلّ كَرْبٍ } غم سواها. { ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } تعودون إلى الشرك ولا توفون بالعهد، وإنما وضع تشركون موضع لا تشكرون تنبيهاً على أن من أشرك بعبادة الله سبحانه وتعالى فكأنه لم يعبده رأساً.

{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل. { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } كما أغرق فرعون، وخسف بقارون. وقيل من فوقكم أكابركم وحكامكم ومن تحت أرجلكم سفلتكم وعبيدكم. { أَوْ يَلْبِسَكُمْ } يخلطكم. { شِيَعاً } فرقا متحزبين على أهواء شتى، فينشب القتال بينكم قال:
وَكَتِيبَهٌ لَبسْتُهَا بِكَتِيبَة   حَتَّى إِذَا التَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدَي
{ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } يقاتل بعضكم بعضاً. { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } بالوعد والوعيد. { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }.

{ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } أي بالعذاب أو بالقرآن. { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } الواقع لا محالة أو الصدق. { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } بحفيظ وكل إلي أمركم فأمنعكم من التكذيب، أو أجازيكم إنما أنا منذر والله الحفيظ.

{ لّكُلّ نَبَإٍ } خبر يريد به إما بالعذاب أو الإِيعاد به. { مُّسْتَقِرٌّ } وقت استقرار ووقوع. { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } عند وقوعه في الدنيا والآخرة.

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها.

السابقالتالي
2