الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } * { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } ليوم القيامة سماه به لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة كغده، وتنكيره للتعظيم وأما تنكير النفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة كأنه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك. { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تكرير للتأكيد، أو الأول في أداء الواجبات لأنه مقرون بالعمل والثاني في ترك المحارم لاقترانه بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وهو كالوعيد على المعاصي.

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ } نسوا حقه. { فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ } فجعلهم ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها، أو أراهم يوم القيامة من الهول ما أنساهم أنفسهم. { أُولَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } الكاملون في الفسوق.

{ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة والذين استمهنوها فاستحقوا النار، واحتج به أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالكافر. { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } بالنعيم المقيم.

{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } تمثيل وتخييل كما مر في قوله:إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ } [الأحزاب: 72] ولذلك عقبه بقوله: { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فإن الإِشارة إليه وإلى أمثاله. والمراد توبيخ الإِنسان على عدم تخشعه عند تلاوة القرآن لقساوة قلبه وقلة تدبره، والتصدع التشقق. وقرىء «مصدعاً» على الإِدغام.

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } ما غاب عن الحس من الجواهر القدسية وأحوالها، وما حضر له من الأجرام وأعراضها، وتقديم { ٱلْغَيْبَ } لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به، أو المعدوم والموجود، أو السر والعلانية. وقيل الدنيا والآخرة. { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }.

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ } البالغ في النزاهة عما يوجب نقصاناً. وقرىء بالفتح وهو لغة فيه. { ٱلسَّلَـٰمُ } ذو السلامة من كل نقص وآفة، مصدر وصف به للمبالغة. { ٱلْمُؤْمِنُ } واهب الأمن، وقرىء بالفتح بمعنى المؤمن به على حذف الجار. { ٱلْمُهَيْمِنُ } الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن قلبت همزته هاء. { ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ } الذي جبر خلقه على ما أراده، أو جبر حالهم بمعنى أصلحه. { ٱلْمُتَكَبّرُ } الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصاناً. { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } إذ لا يشركه في شيء من ذلك.

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ } المقدر للأشياء على مقتضى حكمته. { البَارِيءُ } الموجد لها بريئاً من التفاوت. { ٱلْمُصَوّرُ } الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد. (ومن أراد الإِطناب في شرح هذه الأسماء وأخواتها فعليه بكتابي المسمى بمنتهى المنى). { لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } لأنها دالة على محاسن المعاني. { يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لتنزهه عن النقائص كلها. { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الجامع للكمالات بأسرها فإنها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم.

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ".