الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَـٰفَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } يريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة. { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ } من دياركم. { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ } في قتالكم أو خذلانكم. { أَحَداً أَبَداً } أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } لنعَاوننكم. { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } لعلمه بأنهم لا يفعلون ذلك كما قال:

{ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ } وكان كذلك فإن ابن أبي وأصحابه راسلوا بني النضير بذلك ثم أخلفوهم، وفيه دليل على صحة النبوة وإعجاز القرآن. { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } على الفرض والتقدير. { لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَـٰرَ } انهزاماً. { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } بعد بل يخذلهم الله ولا ينفعهم نصرة المنافقين، أو نفاقهم إذ ضمير الفعلين يحتمل أن يكون لليهود وأن يكون للمنافقين.

{ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً } أي أشد مرهوبية مصدر للفعل المبني للمفعول. { فِى صُدُورِهِمْ } فإنهم كانوا يضمرون مخافتهم من المؤمنين. { مِنَ ٱللَّهِ } على ما يظهرونه نفاقاً فإن استبطان رهبتكم سبب لإِظهار مرهبة الله. { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته ويعلموا أنه الحقيق بأن يخشى.

{ لاَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } اليهود والمنافقون. { جَمِيعاً } مجتمعين متفقين. { إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } بالدروب والخنادق. { أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } لفرط رهبتهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «جدار» وأمال أبو عمرو فتحة الدال. { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي وليس ذلك لضعفهم وجبنهم فإنه يشتد بأسهم إذا حارب بعضهم بعضاً، بل لقذف الله الرعب في قلوبهم ولأن الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله. { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } مجتمعين متفقين. { وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } متفرقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم. { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } ما فيه صلاحهم وإن تشتت القلوب يوهن قواهم.

{ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مثل اليهود كمثل أهل بدر، أو بني قينقاع إن صح أنهم أخرجوا قبل النضير، أو المهلكين من الأمم الماضية. { قَرِيبًا } في زمان قريب وانتصابه بمثل إذ التقدير كوجود مثل. { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } سوء عاقبة كفرهم في الدنيا. { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة.

{ كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشيطان. { إِذْ قَالَ لِلإِنسَـٰنِ ٱكْفُرْ } أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور. { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىءٌ مّنكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك كما قال.

{ فَكَانَ عَـٰقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِى ٱلنَّارِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ } والمراد من الإِنسان الجنس. قيل أبو جهل قال له إبليس يوم بدرلاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ } [الأنفال: 48] الآية. وقيل راهب حمله على الفجور والارتداد وقرىء { عَـٰقِبَتَهُمَا } و «خالدان» على أنه خبر إن و { فِى ٱلنَّارِ } لغو.