الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

{ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه، فإنه كمن يقرضه وحسن الإِنفاق بالإِخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له. { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أي يعطي أجره أضعافاً. { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف، فكيف وقد يضاعف أضعافاً. وقرأ عاصم «فَيُضَاعِفَهُ» بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال: أيقرض الله أحد فيضاعفه له. وقرأ ابن كثير «فيضعفه» مرفوعاً وقرأ ابن عامر ويعقوب «فيضعفه» منصوباً.

{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ظرف لقوله { وَلَهُ } أو { فَيُضَاعِفَهُ } أو مقدر باذكر { يَسْعَىٰ نُورُهُم } ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة. { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين. { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ } أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة { بُشْرَاكُمُ } أي المبشر به جنات، أو { بُشْرَاكُمُ } دخول جنات. { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الإِشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة.

{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ } بدل من { يَوْمَ تَرَى }. { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا } انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف، أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم. وقرأ حمزة «أنظرونا» على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم. { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } نصب منه. { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ } إلى الدنيا. { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة، فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نوراً آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا، وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة { فَضُرِبَ بَيْنَهُم } بين المؤمنين والمنافقين. { بِسُورٍ } بحائط. { لَّهُ بَابٌ } يدخل منه المؤمنون. { بَاطِنُهُ } باطن السور أو الباب. { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } لأنه يلي الجنة. { وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } من جهته لأنه يلي النار.

{ يُنَـٰدُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } يريدون موافقتهم في الظاهر. { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنفاق. { وَتَرَبَّصْتُمْ } بالمؤمنين الدوائر. { وَٱرْتَبْتُمْ } وشككتم في الدين. { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِىُّ } كامتداد العمر. { حَتَّىٰ جَاء أَمْرُ ٱللَّهِ } وهو الموت. { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } الشيطان أو الدنيا.

{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } فداء وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتاء. { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ظاهراً وباطناً. { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِىَ مَوْلَـٰكُمْ } هي أولى بكم كقول لبيد:
فَغَدَتْ كِلاَ الفرجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّه   مَوْلَى المَخَافَةِ خَلْفَهَا وَأمامها
وحقيقته مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك: هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل إنه لكريم، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب، أو ناصركم على طريقة قوله:

السابقالتالي
2