الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } * { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

{ وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به، والحال أن الحكم منصوص عليه في الكتاب الذي هو عندهم، وتنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع، وإنما طلبوا به ما يكون أهون عليهم وإن لم يكن حكم الله تعالى في زعمهم، و { فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } حال من التوراة إن رفعتها بالظرف، وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه وتأنيثها لكونها نظيرة المؤنث في كلامهم لفظاً كموماة ودوداة. { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم بعد التحكيم، وهو عطف على يحكمونك داخل في حكم التعجيب. { وَمَا أُوْلَٰـئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } بكتابهم لإِعراضهم عنه أولاً وعما يوافقه ثانياً، أو بك وبه.

{ إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى } يهدي إلى الحق. { وَنُورٌ } يكشف عما استبهم من الأحكام. { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ } يعني أنبياء بني إسرائيل، أو موسى ومن بعده إن قلنا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وبهذه الآية تمسك القائل به. { ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } صفة أجريت على النبيين مدحاً لهم وتنويهاً بشأن المسلمين، وتعريضاً باليهود وأنهم بمعزل عن دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واقتفاء هديهم. { لِلَّذِينَ هَادُواْ } متعلق بأنزل، أو بيحكم أي يحكمون بها في تحاكمهم وهو يدل على أن النبيين أنبياؤهم. { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } زهادهم وعلماؤهم السالكون طريقة أنبيائهم عطف على النبيون { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } بسبب أمر الله إياهم بأن يحفظوا كتابه من التضييع والتحريف، والراجع إلى ما محذوف ومن للنبيين. { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } رقباء لا يتركون أن يغير، أو شهداء يبينون ما يخفى منه كما فعل ابن صوريا. { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ } نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم ويداهنوا فيها خشية ظالم أو مراقبة كبير. { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي } ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها. { ثَمَناً قَلِيلاً } هو الرشوة والجاه { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } مستهيناً به منكراً له. { فَأُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } لاستهانتهم به وتمردهم بأن حكموا بغيره، ولذلك وصفهم بقوله { ٱلْكَـٰفِرُونَ } و { ٱلظَّـٰلِمُونَ } و { ٱلْفَـٰسِقُونَ } ، فكفرهم لإِنكاره، وظلمهم بالحكم على خلافه، وفسقهم بالخروج عنه. ويجوز أن يكون كل واحدة من الصفات الثلاث باعتبار حال انضمت إلى الامتناع عن الحكم به ملائمة لها، أو لطائفة كما قيل هذه في المسلمين لاتصالها بخطابهم، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى.

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } وفرضنا على اليهود. { فِيهَا } في التوراة. { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } أي أن النفس تقتل بالنفس. { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسّنَّ بِٱلسِنّ } رفعها الكسائي على أنها جمل معطوفة على أن وما في حيزها باعتبار المعنى وكأنه قيل: وكتبنا عليهم النفس بالنفس، والعين بالعين، فإن الكتابة والقراءة تقعان على الجمل كالقول، أو مستأنفة ومعناها: وكذلك العين مفقوءة بالعين، والأنف مجدوعة بالأنف، والأذن مصلومة بالأذن، والسن مقلوعة بالسن، أو على أن المرفوع منها معطوف على المستكن في قوله بالنفس، وإنما ساغ لأنه في الأصل مفصول عنه بالطرف، والجار والمجرور حال مبينة للمعنى، وقرأ نافع { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } وفي أذنيه بإسكان الذال حيث وقع.

السابقالتالي
2 3