الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } * { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

{ قَالَ فَإِنَّهَا } فإن الأرض المقدسة. { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم. { أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ } عامل الظرف إما محرمة فيكون التحريم موقتاً غير مؤبد فلا يخالف ظاهر قولهالَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [المائدة: 21] ويؤيد ذلك ما روي: أن موسى عليه الصلاة والسلام سار بعده بمن بقي من بني اسرائيل ففتح أريحاء، وأقام بها ما شاء الله ثم قبض وقيل: إنه قبض في التيه ولما احتضر أخبرهم بأن يوشع بعده نبي وأن الله سبحانه وتعالى أمره بقتال الجبابرة، فسار بهم يوشع وقتل الجبابرة وصار الشام كله لبني اسرائيل، وإما يتيهون أي يسيرون فيها متحيرين لا يرون طريقاً فيكون التحريم مطلقاً، وقد قيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها بل هلكوا في التيه، وإنما قاتل الجبابرة أولادُهم. روي: أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون من الصباح إلى المساء، فإذا هم بحيث ارتحلوا عنه، وكان الغمام يظلهم من الشمس وعمود من نور يطلع بالليل فيضيء لهم، وكان طعامهم المن والسلوى وماؤهم من الحجر الذي يحملونه، والأكثر على أن موسى وهارون كانا معهم في التيه إلا أنه كان ذلك روحاً لهما وزيادة في درجتهما، وعقوبة لهم، وأنهما ماتا فيه مات هارون، وموسى بعده بسنة. ثم دخل يوشع أريحاء بعد ثلاثة أشهر ومات النقباء فيه بغتة غير كالب ويوشع. { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } خاطب به موسى عليه الصلاة والسلام لما ندم على الدعاء عليهم وبين أنهم أحقاء بذلك لفسقهم.

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءادَمَ } قابيل وهابيل، أوحى الله سبحانه وتعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمة الآخر، فسخط منه قابيل لأن توأمته كانت أجمل، فقال لهما آدم: قربا قرباناً فمن أيكما قُبِلَ تزوجها، فَقُبِلَ قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته، فازداد قابيل سخطاً وفعل ما فعل. وقيل لم يرد لهما ابني آدم لصلبه وأنهما رجلان من بني اسرائيل ولذلك قال: { كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرٰءيلَ }. { بِٱلْحَقِّ } صفة مصدر محذوف أي تلاوة ملتبسة بالحق، أو حال من الضمير في اتل، أو من نبأ أي ملتبساً بالصدق موافقاً لما في كتب الأولين { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً } ظرف لنبأ، أو حال منه، أو بدل على حذف مضاف أي واتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت، والقربان اسم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى من ذبيحة أو غيرها، كما أن الحلوان اسم ما يحلى به أي يعطى، وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن وقيل تقديره إذ قرب كل واحد منهما قرباناً. قيل كان قابيل صاحب زرع وقرب أردأ قمح عنه، وهابيل صاحب ضرع وقرب جملاً سميناً.

السابقالتالي
2 3