الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } لما رأى أن لهم غرضاً صحيحاً في ذلك، أو أنهم لا يقلعون عنه فأراد إلزامهم الحجة بكمالها. { ٱللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً } أي يكون يوم نزولها عيداً نعظمه. وقيل العيد السرور العائد ولذلك سمي يوم العيد عيداً. وقرىء «تكن» على جواب الأمر. { لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } بدل من لنا بإعادة العامل أي عيداً لمتقدمينا ومتأخرينا. روي: أنها نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيداً. وقيل يأكل منها أولنا وآخرنا. وقرىء «لأولانا وأخرانا» بمعنى الأمة أو الطائفة. { وَءَايَةً } عطف على «عيداً». { مِنكَ } صفة لها أي آية كائنة منك دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي. { وَٱرْزُقْنَا } المائدة والشكر عليها. { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا عوض. { قَالَ ٱللَّهُ إِنّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } إجابة إلى سؤالكم. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم { مُنَزِّلُهَا } بالتشديد. { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً } أي تعذيباً ويجوز أن يجعل مفعولاً به على السعة. { لاَّ أُعَذِّبُهُ } الضمير للمصدر، أو للعذاب إن أريد ما يعذب به على حذف حرف الجر. { أَحَداً مِّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي من عالمي زمانهم أو للعالمين مطلقاً فإنهم مسخوا قردة وخنازير، ولم يعذب بمثل ذلك غيرهم. روي: أنها نزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة، ثم قام فتوضأ وصلى وبكى، ثم كشف المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة قال: ليس منهما ولكن اخترعه الله سبحانه وتعالى بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله، فقالوا: يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال: يا سمكة احيي بإذن الله تعالى فاضطربت ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية ثم طارت المائدة، ثم عصوا بعدها فمسخوا. وقيل كانت تأتيهم أربعين يوماً غباً يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلها، ولم يأكل منها فقير إلا غني مدة عمره، ولا مريض إلا بريء ولم يمرض أبداً، ثم أوحي الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الأغنياء والأصحاء، فاضطرب الناس لذلك فمسخ منهم ثلاثة وثمانون رجلاً.

السابقالتالي
2