الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } * { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

مدنية نزلت في مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وآيها تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } وعد بفتح مكة، والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحاً لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة، وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع وأدخل في الإِسلام خلقاً عظيماً، وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه، أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة. وقد عرفت كونه فتحاً للرسول عليه الصلاة والسلام في سورة «الروم». وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل.

{ لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } علة للفتح من حيث إنه مسبب عن جهاد الكفار والسعي في إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهراً ليصير ذلك بالتدريج اختياراً، وتخليص الضعفة عن أيدي الظلمة. { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه. { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة. { وَيَهْدِيَكَ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرئاسة.

{ وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } نصراً فيه عز ومنعة، أو يعز به المنصور فوصف بوصفه مبالغة.

{ هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } الثبات والطمأنينة. { فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حتى ثبتوا حيث تقلق النفوس وتدحض الأقدام. { لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ } يقيناً مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، أو نزل فيها السكون إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليزدادوا إيماناً بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر. { لِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يدبر أمرها فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينهم السلم أخرى كما تقتضيه حكمته. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بالمصالح. { حَكِيماً } فيما يقدر ويدبر.

{ لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } علة بما بعده لما دل عليه قوله تعالى: { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } من معنى التدبير، أي دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله فيه ويشكروها فيدخلهم الجنة ويعذب الكفار والمنافقين لما غاظهم من ذلك، أو { فَتَحْنَا } أو { أَنَزلَ } أو جميع ما ذكر أو { لِيَزْدَادُواْ } ، وقيل إنه بدل منه بدل الاشتمال. { وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } يغطيها ولا يظهرها. { وَكَانَ ذٰلِكَ } أي الإِدخال والتكفير. { عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضر، وعند حال من الفوز.

السابقالتالي
2