الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

{ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة. { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني مقام خيبر. { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان، أو أيدي قريش بالصلح. { وَلِتَكُونَ } هذه الكفة أو الغنيمة. { آيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان، أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية، أو وعد المغانم أو عنواناً لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة لـ { كَفَّ } ، أو «عجل» مثل لتسلموا، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك. { وَيَهْدِيَكُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه.

{ وَأُخْرَىٰ } ومغانم أخرى معطوفة على هذه، أو منصوبة بفعل يفسره { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } مثل قضى، ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب. { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } بعد لما كان فيها من الجولة. { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيراً } لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء.

{ وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } من أهل مكة ولم يصالحوا. { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَـٰرَ } لانهزموا. { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً } يحرسهم. { وَلاَ نَصِيراً } ينصرهم.

{ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } أي سنَّ غُلَّبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى:لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } [المجادله: 21] { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } تغييراً.

{ وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } أي أيدي كفار مكة. { وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } في داخل مكة. { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } أظهركم عليهم، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد. وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله. { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من مقاتلتهم أولاً طاعة لرسوله وكفهم ثانياً لتعظيم بيته، وقرأ أبو عمرو بالياء { بَصِيراً } فيجازيهم عليه.

{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } يدل على أن ذلك كان عام الحديبية، والهدي ما يهدى إلى مكة. وقرىء { ٱلْهَدْيِ } وهو فعيل بمعنى مفعول، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانه الذي لا يجوز أن ينحر في غيره، وإلا لما نحره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم. { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين.

السابقالتالي
2 3 4