الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } * { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم. { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم، وقرىء بالتشديد للتكثير. { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } من الله على التخلف. { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار. { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه. { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف، وقرأ حمزة والكسائي بالضم. { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } ما يضاد ذلك، وهو تعريض بالرد. { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه.

{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } لظنكم أن المشركين يستأصلونهم، وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهلة وأما أهال فاسم جمع كليال. { وَزُيّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ } فتمكن فيها، وقرىء على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان. { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْء } الظن المذكور، والمراد التسجيل عليه بـ { ٱلسَّوْء } أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة. { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم.

{ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَعِيراً } وضع الكافرين موضع الضمير إيذاناً بأن من لم يجمع بين الإِيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره، وتنكير سعيراً للتهويل أو لأنها نار مخصوصة.

{ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يدبره كيف يشاء. { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } إذ لا وجوب عليه. { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض، ولذلك جاء في الحديث الإلهي " سبقت رحمتي غضبي " { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } يعني المذكورين. { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني مغانم خيبر فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالاً كثيرة فخصها بهم. { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر، وقيل قوله تعالى:لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا } [التوبة: 83] والظاهر أنه في تبوك. والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي «كلم الله» وهو جمع كلمة. { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } نفي في معنى النهي. { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ }.

السابقالتالي
2