الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } يعني المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه فإذا خرجوا { قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي لعلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم. { مَاذَا قَالَ ءانِفاً } ما الذي قال الساعة، استهزاء أو استعلاماً إذا لم يلقوا له آذانهم تهاوناً به، و { ءانِفاً } من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة، ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتاً مؤتنفاً، أو حال من الضمير في { قَالَ } وقرأ ابن كثير «أنفاً».

{ أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ } فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه.

{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } أي زادهم الله بالتوفيق والإِلهام، أو قول الرسول عليه الصلاة والسلام. { وَآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ } بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم، أو أعطاهم جزاءها.

{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } فهل ينتظرون غيرها. { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } بدل اشتمال من { ٱلسَّاعَةَ } ، وقوله: { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } كالعلة له، وقرىء أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وانشقاق القمر فكيف لهم { ذِكْرَاهُمْ } أي تذكرهم { إِذَا جَاءتْهُمُ } الساعة بغتة، وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع.

{ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاؤة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار { لِذَنبِكِ }. { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعي غفرانهم، وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر، فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى. { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها. { وَمَثْوَاكُمْ } في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم.

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ } أي هلا { نُزّلَتْ سُورَةٌ } في أمر الجهاد. { فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } مبينة لا تشابه فيها. { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } أي الأمر به. { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } ضعف في الدين وقيل نفاق. { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِىّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } جبناً ومخافة. { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } فويل { لَهُمْ } ، أفعل من الولي وهو القرب، أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم.