الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } يعني هوداً. { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج، وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ } الرسل. { مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض. { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي لا تعبدوا، أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته. { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } هائل بسبب شرككم.

{ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا } لتصرفنا. { عَنْ ءالِهَتِنَا } عن عبادتها. { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب على الشرك. { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في وعدك. { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به، وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له. { وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } إليكم وما على الرسول إلا البلاغ. { وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين.

{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً } سحاباً عرض في أفق السماء. { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } متوجه أوديتهم، والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله: { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أي يأتينا بالمطر. { بَلْ هُوَ } أي قال هود عليه الصلاة والسلام { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } من العذاب، وقرىء «قل» «بل»: { رِيحٌ } هي ريح، ويجوز أن يكون بدل ما. { فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } صفتها وكذا قوله:

{ تُدَمّرُ } تهلك. { كُلَّ شَىْءٍ } من نفوسهم وأحوالهم. { بِأَمْرِ رَبّهَا } إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته، وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مراراً، وقرىء «يدمر كل شيء» من دمر دماراً إذا هلك فيكون العائد محذوفاً أو الهاء في { رَبُّهَا } ، ويحتمل أن يكون استئنافاً للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضياً لا يتقدم ولا يتأخر، وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء { فَأْصْبَحُواْ لاَ تُرَى إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُِمْ } أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ » بالياء المضمومة ورفع المساكن. { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }. روي أن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر.

{ وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } { إن } نافية وهي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظاً ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما، أو شرطية محذوفة الجواب والتقدير، ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر، أو صلة كما في قوله:

السابقالتالي
2