الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

{ أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } يعني طاعاتهم فإن المباح حسن ولا يثاب عليه. { وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيَّئَاتِهِمْ } لتوبتهم، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون فيهما. { فِى أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ } كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم. { وَعْدَ ٱلصّدْقِ } مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز وعد { ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } أي في الدنيا.

{ وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا } مبتدأ خبره { أُوْلَـٰئِكَ } ، والمراد به الجنس وإن صح نزولها في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص. وفي { أُفّ } قراءات ذكرت في سورة «بني إسرائيل». { أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ } أبعث، وقرأ هشام «أتعداني» بنون واحدة مشددة. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى } فلم يرجع أحد منهم. { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } يقولان الغياث بالله منك، أو يسألانه أن يغيثه بالتوفيق للإِيمان. { وَيْلَكَ ءامِنْ } أي يقولان له { وَيْلَكَ } ، وهو الدعاء بالثبور بالحث على ما يخاف على تركه. { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أباطيلهم التي كتبوها.

{ أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه. { فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } كقوله في أصحاب الجنة. { مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } بيان للأمم. { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } تعليل للحكم على الاستئناف.

{ وَلِكُلّ } من الفريقين. { دَرَجَـٰتٌ مّمَّا عَمِلُواْ } مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، أو من أجل ما عملوا والـ { دَرَجَـٰتٌ } غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب. { وَلِيُوَفّيَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } جزاءها، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن ذكوان بالنون. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص ثواب وزيادة عقاب.

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } يعذبون بها. وقيل تعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم: عرضت الناقة على الحوض. { أَذْهَبْتُمْ } أي يقال لهم أذهبتم، وهو ناصب اليوم وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالاستفهام غير أن ابن كثير يقرؤه بهمزة ممدودة وهما يقرآن بها وبهمزتين محققتين. { طَيّبَـٰتِكُمْ } لذاتكم. { فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } باستيفائها. { وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } فما بقي لكم منها شيء. { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } الهوان وقد قرىء به. { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله، وقرىء { تَفْسِقُونَ } بالكسر.