الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } كأنه دليل على الحكم السابق من حيث أن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل يستدعي انتصار المظلوم من الظالم، والتفاوت بين المسيء والمحسن وإذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات. { وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } عَطف على بالحق لأنه في معنى العلة أو على علة محذوفة مثل ليدل بها على قدرته أو ليعدل { ولتجزي }. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص ثواب وتضعيف عقاب، وتسمية ذلك ظلماً ولو فعله الله لم يكن منه ظلماً لأنه لو فعله غيره لكان ظلماً كالابتلاء والاختبار.

{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى فكأنه يعبده، وقرىء «آلهة هواه» لأنه كان أحدهم يستحسن حجراً فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه. { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ } وخذله. { عَلَىٰ عِلْمٍ } عالِماً بضلاله وفساد جوهر روحه. { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات. { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً } فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار، وقرأ حمزة والكسائي «غشوة». { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } من بعد إضلاله. { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } وقرىء «تتذكرون».

{ وَقَالُواْ مَا هِىَ } ما الحياة أو الحال. { إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } التي نحن فيها. { نَمُوتُ وَنَحْيَا } أي نكون أمواتاً نطفاً وما قبلها ونحيا بعد ذلك، أو نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا، أو يصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة ويحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان. { وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } إلا مرور الزمان وهو في الأصل مدة بقاء العالم من دهره إذا غلبه. { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } يعني نسبة الحوادث إلى حركات الأفلاك وما يتعلق بها على الاستقلال، أو إنكار البعث أو كليهما. { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } إذ لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناء على التقليد والإِنكار لما لم يحسوا به.

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا بَيّنَاتٍ } واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم أو مبينات له. { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ } ما كان لهم متشبث يعارضونها به. { إِلاَّ أَنَّ قَالُوا أئْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ } وإنما سماه حجة على حسبانهم ومساقهم، أو على أسلوب قولهم.
تحية بَيْنَهمْ ضَرْبٌ وجِيعٌ   
فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء حالاً امتناعه مطلقاً.

{ قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } على ما دلت عليه الحجج. { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على ما قرر مراراً، والوعد المصدق بالآيات دل على وقوعها، وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوه يوم الجمع للجزاء.

السابقالتالي
2