الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } * { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } * { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } * { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ }

مكية إِلا قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ } الآية، وهي سبع أو تسع وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حَـم وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } القرآن والواو للعطف إن كان { حـم } مقسماً به وإلا فللقسم والجواب قوله:

{ إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } ليلة القدر، أو البراءة ابتدىء فيها إنزاله، أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ، ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نجوماً وبركتها لذلك، فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية، أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية. { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } استئناف يبين المقتضى للإنزال وكذلك قوله:

{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } فَإِن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو من عظائمها، ويجوز أن يكون صفة { لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } وما بينهما اعتراض، وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ } وقرىء «يُفْرَقُ» بالتشديد و { يُفْرَقُ } كل أي يفرقه الله، و«نفرق» بالنون.

{ أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } أي أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالاً من كل أوامر، أو ضميره المستكن في { حَكِيمٌ } لأنه موصوف، وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدراً لـ { يُفْرَقُ } أو لفعله مضمراً من حيث أن الفرق به، أو حالاً من أحد ضميري { أَنزَلْنَـٰهُ } بمعنى آمرين أو مأموراً. { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ }.

{ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } بدل من { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم، وضع الرب موضع الضمير للإِشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك، فإنه أعظم أنواع التربية أو علة لـ { يُفْرَقُ } أو { أمْراً } ، و { رَحْمَةً } مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر { مّنْ عِنْدِنَا } لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا، فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإِلهية من باب الرحمة، وقرىء { رَحْمَةً } على تلك رحمة. { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم، وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته.

{ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } خبر آخر أو استئناف. وقرأ الكوفيون بالجر بدلاً { مِن رَبّكَ }. { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم، أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها؟ فقلتم الله، علمتم أن الأمر كما قلنا، أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك.

{ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إذ لا خالق سواه. { يُحْيِي وَيُميتُ } كما تشاهدون. { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } وقرئا بالجر بدلاً { مِن رَبّكَ }.