الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } * { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } * { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } فائتين ما قضى عليكم من المصائب. { وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ } يحرصكم عنها. { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفعها عنكم.

{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ ٱلْجَوَارِ } السفن الجارية. { فِى ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلَـٰمِ } كالجبال. قالت الخنساء:
وَإِنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِه   كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ
{ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرّيحَ } وقرىء «الرياح». { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } فيبقين ثوابت على ظهر البحر. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } لكل من وكل همته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه، أو لكل مؤمن كامل الإِيمان فإن الإِيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.

{ أَوْ يُوبِقْهُنَّ } أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة، والمراد إهلاك أهلها لقوله تعالى: { بِمَا كَسَبُواْ } وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله تعالى: { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } إذ المعنى أو يرسلها فيوبق ناساً بذنوبهم وينج ناساً على العفو منهم، وقرىء «ويعفو» على الاستئناف.

{ وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءَايَـٰتِنَا } عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم { وَيَعْلَمَ } ، أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جواباً للأشياء الستة لأنه أيضاً غير واجب، وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاسئتناف، وقرىء بالجزم عطفاً على { يعف } فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم وتحذير آخرين. { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل.

{ فَمَا أُوتِيتُمْ مّن شَىْءٍ فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } تمتعون به مدة حياتكم. { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من ثواب الآخرة. { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } لخلوص نفعه ودوامه و { مَا } الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية. وعن علي رضي الله تعالى عنه: تصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه بماله كله فلامه جمع فنزلت.

{ وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } { وَٱلَّذِينَ } بما بعده عطف على { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أو مدح منصوب أو مرفوع، وبناء { يَغْفِرُونَ } على ضميرهم خبراً للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب، وقرأ حمزة والكسائي «كبير الإِثم».

{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ } نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإِيمان فاستجابوا له. { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } ذو شورى بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم في الأمور، وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور. { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } في سبيل الله الخير.

{ وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } على ما جعله الله لهم كراهة التذلل، وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران، فإنه ينبىء عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم، والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي، ثم عقب وصفهم بالانتصار للمنع عن التعدي.

{ وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } وسمى الثانية { سَيّئَةٌ } للازدواج، أو لأنها تسوء من تنزل به. { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } بينه وبين عدوه. { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } عدة مبهمة تدل على عظم الموعود. { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام.