الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

{ ذٰلِكُمْ } الإِضلال. { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأَرْضِ } تبطرون وتتكبرون. { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } وهو الشرك والطغيان. { وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } تتوسعون في الفرح، والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ.

{ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ } الأبواب السبعة المقسومة لكم. { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقدرين الخلود. { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ } عن الحق جهنم، وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولكن لما كان الدخول المقيد بالخلود بسبب الثواء عبر بالمثوى.

{ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } بهلاك الكافرين. { حَقّ } كائن لا محالة. { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ } فإن نرك، وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع أن وحدها. { بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } وهو القتل والأسر. { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل أن تراه. { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم، وهو جواب { نَتَوَفَّيَنَّكَ } ، وجواب { نُرِيَنَّكَ } محذوف مثل فذاك، ويجوز أن يكون جواباً لهما بمعنى إن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب، ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } إذ قيل عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والمذكور قصصهم أشخاص معدودة. { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها. { فَإِذَا جَـاءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } بالعذاب في الدنيا أو الآخرة. { قُضِىَ بِٱلْحَقّ } بإنجاء المحق وتعذيب المبطل. { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإِبل والبقر.

{ وَلَكُمْ فيِهَا مَنَـٰفِعُ } كالألبان والجلود والأوبار. { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ } بالمسافرة عليها. { وَعَلَيْهَا } في البر. { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } في البحر. { تُحْمَلُونَ } وإنما قال { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } ولم يقل في الفلك للمزاوجة، وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة. وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة، أو للفرق بين العين والمنفعة.

{ وَيُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته. { فَأَىَّ آيَاتِ اللهِ } أي فأي آية من تلك الآيات. { تُنكِرُونَ } فإنها لظهورها لا تقبل الإِنكار، وهو ناصب «أي» إذا لو قدرته متعلقاً بضميره كان الأولى رفعه والتفرقة بالتاء في أي أغرب منها في الأسماء غير الصفات لإبهامه.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً فِى ٱلأَرْضِ } ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما، وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم.

السابقالتالي
2