* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق
{ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لأَتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } في مجيئها لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسون به.
{ وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى } اعبدوني. { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } أثبكم لقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ } صاغرين، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلاً منزلته للمبالغة، أو المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها. وقرأ ابن كثير وأبو بكر «سَيُدْخَلُونَ» بضم الياء وفتح الخاء.
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } لتستريحوا فيه بأن خلقه بارداً مظلماً ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس. { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } يبصر فيه أو به، وإسناد الإِبصار إليه مجاز فيه مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال: { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } لا يوازيه فضل، وللإِشعار به لم يقل لمفضل. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم، وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم.
{ ذٰلِكُمْ } المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية. { ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَـٰلِقُ كُـلِّ شَىْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقررها، وقرىء «خَـٰلِقَ» بالنصب على الاختصاص فيكون { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } استئنافاً بما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة. { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
{ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي كما أفكوا أفك عن الحق كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها.
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَاءَ بِنَـاءً } استدلال ثان بأفعال أخر مخصوصة. { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء، والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات. { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } اللذائذ. { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَـٰرَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال.
{ هُوَ ٱلْحَيُّ } المتفرد بالحياة الذاتية. { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إذ لا موجد سواه ولا موجد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته. { فَٱدْعُوهُ } فاعبدوه. { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي الطاعة من الشرك والرياء. { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قائلين له.
{ قُلْ إِنّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَاءَنِى ٱلْبَيّنَـٰتُ مِن رَّبّى } من الحجج والآيات أو من الآيات فإنها مقوية لأدلة العقل منبهة عليها. { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بأن أنقاد له أو أخلص له ديني.
{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أطفالاً، والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم.