الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } * { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } * { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } عن النفاق. { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق. { وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ } وثقوا به أو تمسكوا بدينه. { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه سبحانه وتعالى. { فَأُوْلَٰـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ومن عدادهم في الدارين. { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } فيساهمونهم فيه.

{ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ } أيتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرراً أو يستجلب به نفعاً وهو الغني المتعالي عن النفع والضر، وإنما يعاقب المصر بكفره لأن إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا أزاله بالإِيمان والشكر ـ ونفى نفسه عنه ـ تخلص من تبعته، وإنما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولاً فيشكر شكراً مبهماً، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به. { وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً } مثيباً يقبل اليسير ويعطي الجزيل. { عَلِيماً } بحق شكركم وإيمانكم.

{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } إلا جهر من ظلم بالدعاء على الظالم والتظلم منه. وروي أن رجلاً ضاف قوماً فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه. فنزلت وقرىء من ظلم على البناء للفاعل فيكون الاستثناء منقطعاً أي ولكن الظالم يفعل ما لا يحبه الله. { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً } لكلام المظلوم. { عَلِيماً } بالظالم.

{ إِن تُبْدُواْ خَيْراً } طاعة وبراً. { أَوْ تُخْفُوهْ } أو تفعلوه سراً. { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوء } لكم المؤاخذة عليه، وهو المقصود وذكر إبداء الخير وإخفائه تشبيب له، ولذلك رتب عليه قوله. { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } أي يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم أولى بذلك، وهو حث للمظلوم على العفو بعدما رخص له في الانتظار حملاً على مكارم الأخلاق.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله. { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضهم. { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } طريقاً وسطاً بين الإِيمان والكفر، لا واسطة: إذ الحق لا يختلف فإن الإِيمان بالله سبحانه وتعالى لا يتم إلا بالإِيمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلاً أو إجمالاً، فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكل في الضلال كما قال الله تعالى:فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } [يونس: 32] { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } هم الكاملون في الكفر لا عبرة بإيمانهم هذا. { حَقّاً } مصدر مؤكد لغيره أو صفة لمصدر الكافرين بمعنى: هم الذين كفروا كفراً حقاً أي يقيناً محققاً. { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }.

{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } أضدادهم ومقابلوهم، وإنما دخل بين على أحد وهو يقتضي متعدداً لعمومه من حيث إنه وقع في سياق النفي.

السابقالتالي
2