الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } * { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } * { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } * { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } جزاءه. { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } فلا يفوته شيء من أفعالهم، ثم فصل التوفية فقال:

{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } أفواجاً متفرقة بعضها في أثر بعض على تفاوت أقدامهم في الضلالة والشرارة، جمع زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه، أو من قولهم شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة وهي الجمع القليل. { حَتَّىٰ إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا } ليدخلوها و { حَتَّىٰ } وهي التي تحكي بعدها الجملة، وقرأ الكوفين «فُتِحَتْ» بتخفيف التاء. { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } تقريعاً وتوبيخاً. { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ } من جنسكم. { يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار، وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع من حيث إنهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب. { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } كلمة الله بالعذاب علينا وهو الحكم عليهم بالشقاوة، وأنهم من أهل النار ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بالكفرة، وقيل هو قولهلأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119] { قِيلَ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم. { فَبِئْسَ مَثْوَى } مكان. { ٱلْمُتَكَبّرِينَ } اللام فيه للجنس والمخصوص بالذم سبق ذكره، ولا ينافي إشعاره بأن مثواهم في النار لتكبرهم عن الحق أن يكون دخولهم فيها لأن كلمة العذاب حقت عليهم، فإن تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه كما قال عليه الصلاة والسلام " إِن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة. وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار " { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ } إِسراعاً بهم إلى دار الكرامة، وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم إلا راكبين. { زُمَراً } على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو الطبقة. { حَتَّىٰ إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا } حذف جواب إذا للدلالة على أن لهم حينئذ من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف، وأن أبواب الجنة تفتح لهم قبل مجيئهم غير منتظرين، وقرأ الكوفيون «فُتِحَتْ» بالتخفيف. { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ } لا يعتريكم بعد مكروه. { طِبْتُمْ } طهرتم من دنس المعاصي. { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } مقدرين الخلود فيها، والفاء للدلالة على أن طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم، وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه لأنه مطهره.

{ وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } بالبعث والثواب. { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } يريدون المكان الذي استقروا فيه على الاستعارة، وإيراثها تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم أو تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه.

السابقالتالي
2