الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

{ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِى } بالإرشاد إلى الحق. { لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } الشرك والمعاصي.

{ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } في العقيدة والعمل، وأو للدلالة على أنها لا تخلوا من هذه الأقوال تحيراً وتعللاً بما لا طائل تحته.

{ بَلَىٰ قَدْ جَاءتْكَ ءايَـٰتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } رد من الله عليه لما تضمنه قوله { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِى } من معنى النفي وفصله عنه لأن تقديمه يفرق القرائن وتأخير المودود يخل بالنظم المطابق للوجود لأنه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة، وهو لا يمنع تأثير قدرة الله في فعل العبد ولا ما فيه من إسناد الفعل إليه كما عرفت وتذكير الخطاب على المعنى، وقرىء بالتأنيث للنفس.

{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ } بأن وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد. { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } بما ينالهم من الشدة أو بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل، والجملة حال إذ الظاهر أن ترى من رؤية البصر واكتفى فيها بالضمير عن الواو. { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى } مقام. { لّلْمُتَكَبّرِينَ } عن الإِيمان والطاعة وهو تقرير لأنهم يرون كذلك.

{ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } وقرىء وَيُنَجّي. { بِمَفَازَتِهِمْ } بفلاحهم مفعلة من الفوز وتفسيرها بالنجاة تخصيصها بأهم أقسامه وبالسعادة والعمل الصالح إطلاق لها على السبب، وقرأ الكوفيون غير حفص بالجمع تطبيقاً لهم بالمضاف إليه والباء فيها للسببية صلة لينجي أو لقوله: { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهو حال أو استئناف لبيان المفازة.

{ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْءٍ } من خير وشر وإيمان وكفر. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ وَكِيل } يتولى التصرف.

{ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره، وهو كناية عن قدرته وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاختصاص، لأن الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها الا من بيده مفاتيحها، وهو جمع مقليد أو مقلاد من قلدته إذا ألزمته، وقيل جمع إقليد معرب إكليد على الشذوذ كمذاكير. وعن عثمان رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال " تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، بيده الخير يحيـي ويميت وهو على كل شيء قدير " والمعنى على هذا إن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد، وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها أصابه. { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } متصل بقوله { وَيُنَجّى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } وما بينهما اعتراض للدلالة على أنه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها، وتغيير النظم للإشعار بأن العمدة في فلاح المؤمنين فضل الله وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم، وللتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية للكرم أو بما يليه، والمراد بآيات الله دلائل قدرته واستبداده بأمر السموات والأرض، أو كلمات توحيده وتمجيده وتخصيص الخسار بهم لأن غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب.

السابقالتالي
2