الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

{ أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ } يجعله درقة يقي به نفسه لأنه يكون يداه مغلولة إلى عنقه فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه. { سُوءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كمن هو آمن منه، فحذف الخبر كما حذف في نظائره.

{ وَقِيلَ لِلظَّـلِمِينَ } أي لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلاً عليهم بالظلم وإشعاراً بالموجب لما يقال لهم وهو: { ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } أي وباله، والواو للحال وقد مقدرة.

{ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } من الجهة التي لا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها.

{ فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْىَ } الذل. { فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإِجلاء. { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } المعد لهم. { أَكْبَرُ } لشدته ودوامه. { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لو كانوا من أهل العلم والنظر لعلموا ذلك واعتبروا به.

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ مِن كُلّ مَثَلٍ } يحتاج إليه الناظر في أمر دينه. { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يتعظون به.

{ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } حال من هذا والاعتماد فيها على الصفة كقولك: جاءني زيد رجلاً صالحاً، أو مدح له. { غَيْرَ ذِى عِوَجٍ } لا اختلال فيه بوجه ما هو أبلغ من المستقيم وأخص بالمعاني. وقيل بالشك استشهاداً بقوله:
وَقَدْ أَتَاكَ يَقِينٌ غَيْرُ ذِيْ عِوَجٍ   مِنَ الإِلَهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوبِ
وهو تخصيص له ببعض مدلوله. { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } علة أخرى مرتبة على الأولى.

{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } للمشرك والموحد. { رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَـٰكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ } مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته، ويتنازعوا فيه بعبد يتشارك فيه، جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة في تحيره وتوزع قلبه، والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل و { رَجُلاً } بدل من مثل وفيه صلة { شُرَكَاء } ، والتشاكس والتشاخص الاختلاف. وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون «سَلَـٰماً» بفتحتين، وقرىء بفتح السين وكسرها مع سكون اللام وثلاثتها مصادر سلم نعت بها، أو حذف منها ذا ورجل سالم أي وهناك رجل سالم، وتخصيص الرجل لأنه أفطن للضر والنفع. { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } صفة وحالاً ونصبه على التمييز ولذلك وحده، وقرىء «مثلين» للإشعار باختلاف النوع، أو لأن المراد على { يَسْتَوِيَانِ } في الوصفين على أن الضمير للمثلين فإن التقدير مثل رجل ومثل رجل. { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } كل الحمد له لا يشاركه فيه على الحقيقة سواه، لأنه المنعم بالذات والمالك على الإِطلاق. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فيشركون به غيره من فرط جهلهم.

{ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } فإن الكل بصدد الموت وفي عداد الموتى، وقرىء «مائت» و «مائتون» لأنه مما سيحدث.

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ } على تغليب المخاطب على الغيب. { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فتحتج عليهم بأنك كنت على الحق في التوحيد وكانوا على الباطل في التشريك، واجتهدت في الإرشاد والتبليغ ولجوا في التكذيب والعناد، ويعتذرون بالأباطيل مثلأَطَعْنَا سَادَتَنَا } [الأحزاب: 67] ووَجَدْنَا ءابَاءنَا } [الأنبياء: 53] وقيل المراد به الاختصام العام يخاصم الناس بعضهم بعضاً فيما دار بينهم في الدنيا.