الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ } * { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ }

{ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرّيحَ } فذللناها لطاعته إجابة لدعوته وقرىء «الرياح». { تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً } لينة من الرخاوة لا تزعزع، أو لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد. { حَيْثُ أَصَابَ } أراد من قولهم أصاب الصواب فأخطأ الجواب.

{ وَٱلشَّيَـٰطِينَ } عطف على { ٱلرّيحَ }. { كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ } بدل منه.

{ وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى ٱلأَصْفَادِ } عطف على كل كأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص، ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ويمكن تقييدها، هذا والأقرب أن المراد تميل كفهم عن الشرور بالإِقران في الصفد وهو القيد، وسمي به العطاء لأنه يرتبط به المنعم عليه. وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد وفي ذلك نكتة.

{ هَـٰذَا عَطَاؤُنَا } أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطائنا. { فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ } فاعط من شئت وامنع من شئت. { بِغَيْرِ حِسَابٍ } حال من المستكن في الأمر، أي غير محاسب على منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك أو من العطاء أو صلة له وما بينهما اعتراض. والمعنى أنه عطاء جم لا يكاد يمكن حصره، وقيل الإِشارة إلى تسخير الشياطين، والمراد بالمن والإِمساك إطلاقهم وإبقاءهم في القيد.

{ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا. { وَحُسْنَ مَئَابٍ } هو الجنة.

{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ } هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه. { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } بدل من { عَبْدَنَا } و { أَيُّوبَ } عطف بيان له. { أَنّى مَسَّنِىَ } بأن مسني، وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل. { ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ } بتعب. { وَعَذَابٍ } ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي لقال إنه مسه، والإِسناد إلى { ٱلشَّيْطَـٰنِ } إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه، أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه، أو لسؤاله امتحاناً لصبره فيكون اعترافاً بالذنب أو مراعاة للأدب، أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم، أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع، وقرأ يعقوب بفتح النون على المصدر، وقرىء بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل.

{ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك الأرض. { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك، وقيل نبعث عينان حارة وباردة فاغتسل من الحارة واشرب من الأخرى.

السابقالتالي
2