الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ }

{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ } استفهام معناه التعجيب والتشويق إلى استماعه، والخصم في الأصل مصدر ولذلك أطلق على الجمع. { إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } إذ تصعدوا سورة الغرفة،تفعل من السور كتسنم من السنام، وإذ متعلق بمحذوف أي نبأ تحاكم الخصم { إِذْ تَسَوَّرُواْ } ، أو بالنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داوود عليه الصلاة والسلام، وأن إسناد أتى إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم لما فيه من معنى الفعل لا بأتى لأن إتيانه الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن حينئذ { وَإِذْ } الثانية في { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } بدل من الأولى أو ظرف لـ { تَسَوَّرُواْ }. { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه، فإنه عليه الصلاة والسلام كان جزأ زمانه: يوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للوعظ، ويوماً للاشتغال بخاصته، فتسور عليه ملائكة على صورة الإِنسان في يوم الخلوة. { قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ } نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصماً. { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } وهو على الفرض وقصد التعريض إن كانوا ملائكة وهو المشهور. { فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ وَلاَ تُشْطِطْ } ولا تجر في الحكومة، وقرىء «وَلاَ تُشْطِطْ» أي ولا تبعد عن الحق ولا تشطط ولا تشاط، والكل من معنى الشطط وهو من مجاوزة الحد. { وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ } أي إلى وسطه وهو العدل.

{ إِنَّ هَذَا أَخِى } بالدين أو بالصحبة. { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ وٰحِدَةٌ } هي الأنثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة، والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ في المقصود، وقرىء«تِسْعٌ وَتِسْعُونَ» بفتح التاء ونعجة بكسر النون، وقرأ حفص بفتح ياء { لِى نَعْجَةً }. { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، وقيل اجعلها كفلي أي نصيبي. { وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ } وغلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده، أو في مغالبته إياي في الخطبة يقال: خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطاباً حيث زوجها دوني، وقرىء «وعازني» أي غالبني «وعزني» على تخفيف غريب.

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل خليطه وتهجين طمعه ولعله قال ذلك بعد اعترافه، أو على تقدير صدق المدعي والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإِضافة. { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلْخُلَطَاءِ } الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط { لَيَبْغِى } ليتعدى. { بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } وقرىء بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها كقوله:
اضْرُبْ عَنْكَ الهُمُومِ   طَارِقُهَا
وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة.

السابقالتالي
2