الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } * { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } * { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ }

{ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } تعليل لما فعل بنوح من التكرمة بأنه مجازاة له على إحسانه.

{ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } تعليل لإِحسانه بالإِيمان إظهاراً لجلالة قدره وأصالة أمره.

{ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلأخَرِينَ } يعني كفار قومه.

{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ } ممن شايعه في الإِيمان وأصول الشريعة. { لإِبْرٰهِيمَ } ولا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالباً، وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة، وكان بينهما نبيان هود وصالح عليهما الصلاة والسلام.

{ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ } متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة أو بمحذوف هو اذكر. { بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } من آفات القلوب أو من العلائق خالص لله أو مخلص له، وقيل حزين من السليم بمعنى اللديغ. ومعنى المجيء به ربه: إخلاصه له كأنه جاء به متحفاً إياه.

{ إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } بدل من الأولى أو ظرف لـ { جَاء } أو { سَلِيمٍ }.

{ أَئِفْكاً ءَالِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } أي تريدون آلهة دون الله إفكاً مقدم المفعول للعناية ثم المفعول له لأن الأهم أن يقرر أنهم على الباطل ومبنى أمرهم على الافك، ويجوز أن يكون { إِفْكاً } مفعولاً به و { ءَالِهَةً } بدل منه على أنها إفك في نفسها للمبالغة، أو المراد بها عبادتها بحذف المضاف أو حالاً بمعنى إفكين.

{ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته، أو أشركتم به غيره أو أمنتم من عذابه، والمعنى إنكار ما يوجب ظناً فضلاً عن قطع يصد عن عبادته، أو يجوز الإِشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإِلزام وهو كالحجة على ما قبله.

{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى ٱلنُّجُومِ } فرأى مواقعها واتصالاتها، أو في علمها أو في كتابها، ولا منع منه مع أن قصده إيهامهم وذلك حين سألوه أن يعبد معهم.

{ فَقَالَ إِنّي سَقِيمٌ } أراهم أنه استدل بها لأنهم كانوا منجمين على أنه مشارف للسقم لئلا يخرجوه إلى معبدهم، فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى، أو أراد إني سقيم القلب لكفركم، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجاً قل من يخلو منه أو بصدد الموت ومنه المثل: كفى بالسلامة داء، وقول لبيد:
فَدَعَوْتُ رَبِّي بِالسَّلاَمَةِ جَاهِدا   لِيُصحّنِي فَإِذَا السَّلاَمَةُ دَاءُ
{ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } هاربين مخافة العدوى.

{ فَرَاغَ إِلَىٰ ءالِهَتِهِمْ } فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة. { فَقَالَ } أي للأصنام استهزاء. { أَلا تَأْكُلُونَ } يعني الطعام الذي كان عندهم.

{ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } بجوابي.

{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ } فمال عليهم مستخفياً، والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه. { ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } مصدر«لراغ عليهم» لأنه في معنى ضربهم، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل، وقيل { بِٱلْيَمِينِ } بسبب الحلف وهو قوله:

السابقالتالي
2