الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } * { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } * { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } * { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } * { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

مكية وآيها مائة واثنتان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا * فَٱلزجِرٰتِ زَجْراً * فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكْراً } أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية، على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإِلهية، منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأولياءه، أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدسيُسَبّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه، أو بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل، أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات، أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله

:
يا لهف زيابة للحارث الصـ   ـابح فالغانم فالآيب
فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر، أو الإِشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام " رحم الله المحلقين فالمقصرين " غير أنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا.

{ إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم، وأما تحقيقه فبقوله تعالى.

{ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَـٰرِقِ } فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة، { وَرَبُّ } بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه، و { ٱلْمَشَـٰرِقِ } مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقاً،تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب، ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة، وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال.

{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَاءَ ٱلدُّنْيَا } القربى منكم. { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } بزينة هي { ٱلْكَوٰكِبِ } والإِضافة للبيان، ويعضده قراءة حمزة ويعقوب وحفص بتنوين «زينة» وجر { ٱلْكَوٰكِبِ } على إبدالها منه، أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها، أو بأن زينا { ٱلْكَوٰكِبِ } فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسماً كالليقة جاءت مصدراً كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين، والنصب على الأصل أو بأن زينتها { ٱلْكَوٰكِبِ } على إضافته إلى الفاعل وركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا أن تحقق لم يقدح في ذلك، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة

.

السابقالتالي
2