الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ }

{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وقرىء بكسر النون.

{ إِذْ أَبَقَ } هرب، وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه. { إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } المملوء.

{ فَسَـٰهَمَ } فقارع أهله. { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } فصار من المغلوبين بالقرعة، وأصله المزلق عن مقام الظفر. روي أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله، فركب السفينة فوقفت فقالوا: ها هنا عبد آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه، فقال أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء.

{ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } فابتلعه من اللقمة. { وَهُوَ مُلِيمٌ } داخل في الملامة، أو آت بما يلام عليها أو مليم نفسه، وقرىء بالفتح مبنياً من ليم كمشيب في مشوب.

{ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ } الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح مدة عمره، أو في بطن الحوت وهو قولهلاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [الأنبياء: 87] وقيل من المصلين.

{ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } حياً وقيل ميتاً، وفيه حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه، ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء.

{ فَنَبَذْنَـٰهُ } بأن حملنا الحوت على لفظه. { بِٱلْعَرَاء } بالمكان الخالي غما يغطيه من شجر أو نبت. روي أن الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه، واختلف في مدة لبثه فقيل بعض يوم وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة، وقيل عشرون وقيل أربعون. { وَهُوَ سَقِيمٌ } مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد.

{ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ } أي فوقه مظلة عليه. { شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ } من شجر ينبسط على وجه الأرض ولا يقوم على ساقه، يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به، والأكثر على أنها كانت الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه، ويدل عليه أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتحب القرع، قال: " أجل هي شجرة أخي يونس " وقيل التين وقيل الموز تغطى بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره.

{ وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ } هم قومه الذين هرب عنهم وهم أهل نينوى، والمراد به ما سبق من إرساله أو إرسال ثان إليهم أو إلى غيرهم. { أَوْ يَزِيدُونَ } في مرأى الناظر أي إذا نظر إليهم، قال هم مائة ألف أو يزيدون والمراد الوصف بالكثرة وقرىء بالواو.

{ فَـئَامِنُواْ } فصدقوه أو فجددوا الإِيمان به بمحضره. { فَمَتَّعْنَـٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } إلى أجلهم المسمى، ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع الكبر وأولى العزم من الرسل، أو اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة.

السابقالتالي
2