الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } حكاية لما يقال لهم حينئذ تصويراً للموعود وتمكيناً له في النفوس وكذا قوله:

{ إِنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِى شُغُلٍ فَـٰكِهُونَ } متلذذون في النعمة من الفكاهة، وفي تنكير { شُغُلٍ } وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ، وتنبيه على أنه أعلى ما يحيط به الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو { فِى شُغُلٍ } بالسكون، ويعقوب في رواية «فكهون» للمبالغة وهما خبران لـ { إِنْ } ، ويجوز أن يكون { فِى شُغُلٍ } صلة { لفاكهون } ، وقرىء «فكهون» بالضم وهو لغة كنطس ونطس «وفاكهين» «وفكهين» على الحال من المستكهن في الظرف، و { شُغُلٍ } بفتحتين وفتحة وسكون والكل لغات.

{ هُمْ وَأَزْوٰجُهُمْ فِى ظِلَـٰلٍ } جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي في «ظلل». { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } على السرر المزينة. { مُتَّكِئُونَ } و { هُمْ } مبتدأ خبره { فِى ظِلَـٰلٍ } ، و { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } جملة مستأنفة أو خبر ثان أو { مُتَّكِئُونَ } والجاران صلتان له، أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون، وعلى الأرائك متكئون خبر آخر لإِن وأزواجهم عطف على { هُمْ } للمشاركة في الأحكام الثلاثة، و { فِى ظِلَـٰلٍ } حال من المعطوف والمعطوف عليه.

{ لَهُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه، أو ما يتداعونه كقولك ارتموه بمعنى تراموه، أو يتمنون من قولهم ادع علي ما شئت بمعنى تمنه علي، أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها و { مَا } موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء، و { لَهُمْ } خبرها وقوله:

{ سَلَـٰمٌ } بدل منها أو صفة أخرى، ويجوز أن يكون خبرها أو خبر محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام، وقرىء بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصاً. { قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } أي يقول الله أو يقال لهم قولاً كائناً من جهته، والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيماً لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم، ويحتمل نصبه على الاختصاص.

{ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بهم إلى الجنة كقوله:وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [الروم: 14] وقيل اعتزلوا من كل خير أو تفرقوا في النار فإن لكل كافر بيتاً ينفرد به لا يرى ولا يرى.

{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ } من جملة ما يقال لهم تقريعاً وإلزاماً للحجة، وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره وجعلها عبادة الشيطان، لأنه الآمر بها والمزين لها، وقرىء { أَعْهَدْ } بكسر حرف المضارعة و «أحهد» و «أحد» على لغة بني تميم.

السابقالتالي
2