الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } * { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }

{ قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده، أو يرمي به الباطل فيدمغه أو يرمي به إلى أقطار الآفاق، فيكون وعداً بإظهار الإِسلام وإفشائه. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء. { عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } صفة محمولة على محل { إِن } واسمها، أو بدل من المستكن في { يَقْذِفُ } أو خبر ثان أو خبر محذوف. وقرىء بالنصب صفة لـ { رَبّي } أو مقدراً بأعني. وقرأ حمزة وأبو بكر «الغيوب» بالكسر كالبيوت وبالضم كالعشور، وقرىء بالفتح كالصبور على أنه مبالغة غائب.

{ قُلْ جَاءَ ٱلْحَقُّ } أي الإِسلام. { وَمَا يُبْدِىء ٱلْبَـٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ } وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له أثر مأخوذ من هلاك الحي، فإنه إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة قال:
أَقْفَر مِنْ أَهْلِهِ عبيد   فَالْيَوْمَ لاَ يُبْدِي وَلاَ يُعِيد
وقيل الباطل إبليس أو الصنم، والمعنى لا ينشىء خلقاً ولا يعيده، أو لا يبدىء خيراً لأهله ولا يعيده. وقيل { مَا } استفهامية منتصبة بما بعدها.

{ قُلْ إِن ضَلَلْتُ } عن الحق. { فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى } فإن وبال ضلالي عليها لأنه بسببها إذ هي الجاهلة بالذات والأمارة بالسوء، وبهذا الاعتبار قابل الشرطية بقوله: { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَىَّ رَبّي } فإن الاهتداء بهدايته وتوفيقه. { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وإن أخفاه.

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } عند الموت أو البعث أو يوم بدر، وجواب { لَوْ } محذوف تقديره لرأيت أمراً فظيعاً. { فَلاَ فَوْتَ } فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن. { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } من ظهر الأرض إلى باطنها، أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب، والعطف على { فَزِعُواْ } أو لا فوت ويؤيده أنه قرىء «وأخذ» عطفاً على محله أي: فلا فوت هناك وهناك أخذ.

{ وَقَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ } بمحمد عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره في قوله:مَا بِصَـٰحِبِكُمْ } [سبأ: 46] { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } ومن أين لهم أن يتناولوا الإِيمان تناولاً سهلاً. { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم، وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالإِيمان بعدما فات عنهم أوانه وبعد عنهم، بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة، وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها.

أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة:
أَقْحَمَنِي جَارُ أَبِي الجَامُوش   إِلَيْكَ نَأْشَ القَدَرِ التّؤوشَ
أو من نأشت إذا تأخرت ومنه قوله:
تَمَنَّى نَشِيْشاً أَن يَكُونَ أَطَاعَنِي   وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ
فيكون بمعنى التناول من بعد.

{ وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ } بمحمد عليه الصلاة والسلام أو بالعذاب. { مِن قَبْلُ } من قبل ذلك أوان التكليف.

السابقالتالي
2