الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ } تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة الله وما يحتمل فيه إزاحة لاسَتحالتهم الإِحياء حتى جعلوه افتراء وهزؤاً، وتهديداً عليها والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أهم أشد خلقاً، أم السماء، وإنا { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً } ، لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات. وقرأ حمزة والكسائي «يَشَإِ» و «يَخْسِفَ» و «يسقط» بالياء لقوله: { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ }. والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص «كِسَفًا» بالتحريك. { إِنَّ فِى ذَلِكَ } النظر والتفكر فيهما وما يدلان عليه. { لآيَةً } لدلالة. { لّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره.

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد، أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن. { يٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ } رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب، وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها، أو سيري معه حيث سار. وقرىء «أوبي» من الأوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه، وهو بدل من { فَضْلاً } أو من { ءَاتَيْنَا } بإضمار قولنا أو قلنا. { وَٱلطَّيْرَ } عطف على محل الجبال ويؤيده القراءة بالرفع عطفاً على لفظها تشبيهاً للحركة البنائية العارضة بالحركة الإِعرابية أو على { فَضْلاً } ، أو مفعول معه لـ { أَوّبِى } وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل: ولقد آتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال والطير، فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه، حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لأمره في نفاذ مشيئته فيها. { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق بإِلانته أو بقوته.

{ أَنِ ٱعْمَلْ } أمرناه أن اعمل فـ { أنِ } مفسرة أو مصدرية. { سَـٰبِغَـٰتٍ } دروعاً واسعات، وقرىء «صابغات» وهو أول من اتخذها. { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } وقدر في نسجها بحيث يتناسب حلقها، أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقاً فتقلق ولا غلاظاً فتنخرق. ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله: { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ }. { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } الضمير فيه لداود وأهله. { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فأجازيكم عليه.

{ وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ } أي وسخرنا له الريح، وقرىء { ٱلرّيحُ } بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرىء «الرياح». { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك، وقرىء «غدوتها» «وروحتها».

السابقالتالي
2 3