الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ } مزارعهم. { وَدِيَـٰرَهُمْ } حصونهم. { وَأَمْوٰلَهُمْ } نقودهم ومواشيهم وأثاثهم. " روي أنه عليه الصلاة والسلام جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال: إنكم في منازلكم وقال عمر رضي الله عنه: أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال: لا إنما جعلت هذه لي طمعة " { وَأَرْضاً لَّمْ } كفارس والروم، وقيل خيبر وقيل كل أرض تفتح إلى يوم القيامة. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيراً } فيقدر على ذلك.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأَزْوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } السعة والتنعم فيها. { وَزِينَتَهَا } زخارفها. { فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ } أعطكن المتعة. { وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } طلاقاً من غير ضرار وبدعة. روي أنهم سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت. فبدأ بعائشة رضي الله عنها فخيرها فاختارت الله ورسوله، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فأنزللاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنّسَاء مِن بَعْدُ } [الأحزاب: 52] وتعليق التسريح بإرادتهن الدنيا وجعلها قسيماً لإِرادتهن الرسول يدل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم تطلق خلافاً لزيد والحسن ومالك وإحدى الروايتين عن علي، ويؤيده قول عائشة رضي الله عنها «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه». ولم يعده طلاقاً وتقديم للتمتع على التسريح المسبب عنه من الكرم وحسن الخلق. قيل لأن الفرقة كانت بإرادتهن كاختيار المخيرة نفسها فإنه طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية، واختلف في وجوبه للمدخول بها وليس فيه ما يدل عليه، وقرىء «أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ» بالرفع على الاستئناف.

{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } يستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للتبيين لأنهن كلهن كن محسنات.

{ يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ } بكبيرة. { مُّبَيّنَةٍ } ظاهر قبحها على قراءة ابن كثير وأبي بكر والباقون بكسر الياء. { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه، لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد، وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان «يضعف» على البناء للمفعول، ورفع { ٱلْعَذَابَ } وابن كثير وابن عامر «نضعف» بالنون وبناء الفاعل ونصب «ٱلْعَذَابَ». { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } لا يمنعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه.

{ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ } ومن يدم على الطاعة. { لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } ولعل ذكر الله للتعظيم أو لقوله: { وَتَعْمَلْ صَـٰلِحاً نُؤْتِهَـا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضا النبي عليه الصلاة والسلام بالقناعة وحسن المعاشرة. وقرأ حمزة والكسائي «ويعمل» بالياء حملاً على لفظ «من ويؤتها» على أن فيه ضمير اسم الله. { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } في الجنة زيادة على أجرها.

{ يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاءِ } أصل أحد وحد بمعنى الواحد، ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير، والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل.

السابقالتالي
2