الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

{ قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم } يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئاً ولا يبقي منكم أحداً، والتفعل والإِستفعال يلتقيان كثيراً كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته. { مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ } بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم. { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ } للحساب والجزاء.

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ } من الحياء والخزي. { رَبَّنَا } قائلين ربنا. { أَبْصَـٰرُنَا } ما وعدتنا. { وَسَمِعْنَا } منك تصديق رسلك. { فَٱرْجِعْنَا } إلى الدنيا. { نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا، وجواب { لَوْ } محذوف تقديره لرأيت أمراً فظيعاً، ويجوز أن تكون للتمني والمضي فيها وفي { إِذْ } لأن الثابت في علم الله بمنزلة الواقع، ولا يقدر لـ { تَرَى } مفعول لأن المعنى لو يكون منك رؤية في هذا الوقت، أو يقدر ما دل عليه صلة إذا والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد.

{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له. { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي } ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار، ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسبباً عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله:

{ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } فإنه من الوسائط والأسباب المقتضية له. { إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ } تركناكم من الرحمة، أو في العذاب ترك المنسي وفي استئنافه وبناء الفعل على أن واسمها تشديد في الانتقام منهم. { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } كرر الأمر للتأكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب والمعاصي كما علله بتركهم تدبر أمر العاقبة والتفكير فيها دلالة على أن كلاً منهما يقتضي ذلك.

{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا } وعظوا بها. { خَرُّواْ سُجَّداً } خوفاً من عذاب الله. { وَسَبَّحُواْ } نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث. { بِحَمْدِ رَبّهِمْ } حامدين له شكراً على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى. { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن الإِيمان والطاعة كما يفعل من يصر مستكبراً.

{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ } ترتفع وتتنحى. { عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } الفرش ومواضع النوم. { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } داعين إياه. { خَوْفًا } من سخطه. { وَطَمَعًا } في رحمته. وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها " قيام العبد من الليل " وعنه عليه الصلاة والسلام " إذا جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد جاء منادٍ ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعاً إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس "

السابقالتالي
2