الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } يعني لقمان بن باعوراء من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته، وعاش حتى أدرك داود عليه الصلاة والسلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه، والجمهور على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً. والحكمة في عرف العلماء: استكمال النفس الإِنسانية باقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها. ومن حكمته أنه صحب داود شهوراً وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت فقال: الصمت حكم وقليل فاعله، وأن داود عليه السلام قال له يوماً كيف أصبحت فقال أصبحت في يدي غيري، فتفكر داود فيه فصعق صعقة. وأنه أمره بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب، ثم بعد أيام أمره بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتى بهما أيضاً فسأله عن ذلك فقال: هما أطيب شيء إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا. { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } لأن أشكر أو أي أشكر فإن إيتاء الحكمة في معنى القول. { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأن نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها. { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ } لا يحتاج إلى الشكر. { حَمِيدٌ } حقيق بالحمد وإن لم يحمد، أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال.

{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ } أنعم أو أشكم أو ما ثان. { وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ } تصغير إشفاق، وقرأ ابن كثير هنا وفي { يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } بإسكان الياء، وحفص فيهما وفي { يٰبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ } بفتح الياء ومثله البزي في الأخير وقرأ الباقون في الثلاثة بكسر الياء. { لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ } قيل كان كافراً فلم يزل به حتى أسلم، ومن وقف على { لاَ تُشْرِكْ } جعل بالله قسماً. { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه.

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً } ذات وهن أو تهن وهنا { عَلَىٰ وَهْنٍ } أي تضعف ضعفاً فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال، وقرىء بالتحريك يقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا. { وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ } وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة، وقرىء «وفصله في عامين» وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاع حولان. { أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ } تفسير لـ { وَصَّيْنَا } أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال، وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصاً ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام لمن قال مَنْ أُبِرّ " أمك ثم أمك ثم أمك ثم قال بعد ذلك أباك "

السابقالتالي
2