الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } * { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِٱلْبَيّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } بالتدمير. { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم، وعنه عليه الصلاة والسلام " ما من امرىء مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا ذلك " وقد يوقف على { حَقّاً } على أنه متعلق بالانتقام.

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ } متصلاً تارة. { فِى ٱلسَّمَاءِ } في سمتها. { كَيْفَ يَشَاءُ } سائراً أو واقفاً مطبقاً وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك. { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } قطعاً تارة أخرى، وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به. { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } المطر. { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } في التارتين. { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } يعني بلادهم وأراضيهم. { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } لمجيء الخصب.

{ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } المطر. { مِن قَبْلِهِ } تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم، وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإِرسال. { لَمُبْلِسِينَ } لآيسين.

{ فَٱنظُرْ إِلَىٰ أَثَرِ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص. { كَيْفَ يُحْيِي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } وقرىء بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة. { إِنَّ ذٰلِكَ } يعني إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها. { لَمُحْيِي الْمَوْتَى } لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية، كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية، هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء.

{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم، وقيل السحاب لأنه إذا كان { مُصْفَـرّاً } لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله: { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال. وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته، وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه.

{ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم.

السابقالتالي
2