الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ } كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار، وأن ضواري السباع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وإن كل جبار قصده بسوء قهره الله كأصحاب الفيل. والجملة مفسرة للهدى، أو حال أخرى. { مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ } مبتدأ محذوف خبره أي منها مقام إبراهيم، أو بدل من آيات بدل البعض من الكل. وقيل عطف بيان على أن المراد بالآيات أثر القدم في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصخار وإبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف السنين. ويؤيده أنه قرىء «آية» بينة على التوحيد. وسبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه. { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً } جملة ابتدائية، أو شرطية معطوفة من حيث المعنى على مقام لأنه في معنى أمن من دخله أي ومنها أمن من دخله، أو فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله. اقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة وطوى ذكر غيرهما كقوله عليه السلام " حبب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة " لأن فيهما غنية عن غيرها في الدارين بقاء الأثر مدى الدهر والأمن من العذاب يوم القيامة، قال عليه السلام: " من مات في أحد الحرمين، بعث يوم القيامة آمناً " وعند أبي حنيفة من لزمه القتل بردة أو قصاص أو غيرهما والتجأ إلى الحرم لم يتعرض له ولكن ألجىء إلى الخروج. { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } قصده للزيارة على الوجه المخصوص. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { حَجَّ } بالكسر وهو لغة نجد. { مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } بدل من الناس بدل البعض من الكل مخصص له، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة " بالزاد والراحلة " وهو يؤيد قول الشافعي رضي الله تعالى عنه إنها بالمال، ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالك رحمه الله تعالى إنها بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إنها بمجموع الأمرين. والضمير في إليه للبيت، أو الحج وكل ما أتى إلى الشيء فهو سبيله. { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وضع كفر موضع من لم يحج تأكيداً لوجوبه وتغليظاً على تاركه، ولذلك قال عليه السلام " من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً " وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوبه الدلالة على وجوه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصورة الإِسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولاً ثم تخصيصه ثانياً فإنه كإيضاح بعد إيهام وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفراً من حيث إنه فعل الكفرة، وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان وقوله: { عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والإِشعار بعظم السخط، لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإِقبال على الله.

السابقالتالي
2 3 4