الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

{ فَمَنْ حَاجَّكَ } من النصاري. { فِيهِ } في عيسى. { مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي من البينات الموجبة للعلم. { فَقُلْ تَعَالَوْاْ } هلموا بالرأي والعزم. { نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحمل عليها، وإنما قدمهم على الأنفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم. { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا. والبهلة بالضم والفتح اللعنة وأصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار. { فَنَجْعَل لَّعْنَتُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ } عطف فيه بيان روي (أنهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب ـ وكان ذا رأيهم ـ ما ترى فقال: والله لقد عرفتم نبوته، ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول: " إذا أنا دعوت فأمنوا، فقال أسقفهم يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا، فأذعنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلوا له الجزية ألفي حلة حمراء وثلاثين درعاً من حديد، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر " وهو دليل على نبوته وفضل من أتى بهم من أهل بيته.

{ إِنَّ هَذَا } أي ما قص من نبأ عيسى ومريم. { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } بجملتها خبر إن، أو هو فصل يفيد أن ما ذكره في شأن عيسى ومريم حق دون ما ذكروه، وما بعده خبر واللام دخلت فيه لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، وأصلها أن تدخل على المبتدأ { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } صرح فيه بـ { مِنْ } المزيدة للاستغراق تأكيداً للرد على النصارى في تثليثهم { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية.

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } وعيد لهم ووضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والإِعراض عن التوحيد، إفساد للدين والاعتقاد المؤدي إلى فساد النفس بل وإلى فساد العالم.

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعم أهل الكتابين. وقيل يريد به وفد نجران، أو يهود المدينة. { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } لا يختلف فيها الرسل والكتب ويفسرها ما بعدها. { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } أن نوحده بالعبادة ونخلص فيها.

السابقالتالي
2