الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } بين وحدانيته بنصب الدلائل الدالة عليها وإنزال الآيات الناطقة بها. { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } بالإِقرار. { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } بالإِيمان بها والاحتجاج عليها، شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد. { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } مقيماً للعدل في قسمه وحكمه وانتصابه على الحال من الله، وإنما جاز إفراده بها ولم يجز جاء زيد وعمرو راكباً لعدم اللبس كقوله تعالى:وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [الأنبياء: 72] أو من هو والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد قائماً، أو أحقه لأنها حال مؤكدة، أو على المدح، أو الصفة للمنفي وفيه ضعف للفصل وهو مندرج في المشهود به إذا جعلته صفة، أو حالاً من الضمير. وقرىء القائم بالقسط على البدل عن هو أو الخبر لمحذوف. { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبني عليه قوله: { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } فيعلم أنه الموصوف بهما، وقدم العزيز لتقديم العلم بقدرته على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد.

وقد روي في فضلهما أنه عليه الصلاة والسلام قال " يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالـى: «إن لـعبدي هذا عندي عهداً وأنا أحق من وفى بالعهد، ادخلوا عبدي الجنـة» " وهي دليل على فضل علم أصول الدين وشرف أهله.

{ إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل من أنه بدل الكل أن فسر الإِسلام بالإِيمان، أو بما يتضمنه وبدل اشتمال إن فسر بالشريعة. وقرىء أنه بالكسر وأن بالفتح على وقوع الفعل على الثاني، واعتراض ما بينهما أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى لتضمنه معناهما. { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } من اليهود والنصارى، أو من أرباب الكتب المتقدمة في دين الإِسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقاً، أو في التوحيد فثلثت النصارىوَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30] وقيل هم قوم موسى اختلفوا بعده. وقيل هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه السلام. { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي بعد ما علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالآيات والحجج. { بَغْياً بَيْنَهُمْ } حسداً بينهم وطلباً للرئاسة، لا لشبهة وخفاء في الأمر. { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهِ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } وعيد لمن كفر منهم.

{ فَإنْ حَاجُّوكَ } في الدين، أو جادلوك فيه بعد ما أقمت الحجج. { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره، وهو الدين القويم الذي قامت به الحجج ودعت إليه الآيات والرسل، وإنما عبر بالوجه عن النفس لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } عطف على التاء في أسلمت وحسن للفصل، أو مفعول معه.

السابقالتالي
2