الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } * { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } * { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ }

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاءَ } فما اتخذوه معتمداً ومتكلاً. { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } فيما نسجته في الوهن والخور بل ذاك أوهن فإن لهذا حقيقة وانتفاعاً ما، أو مثلهم بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً من حجر وجص، والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والتاء فيه كتاء طاغوت ويجمع على عناكيب وعناكب وعكاب وعكبة وأعكب. { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } لا بيت أوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه. { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يرجعون إلى علم لعلموا أن هذا مثلهم وأن دينهم أوهن من ذلك، ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم سماه به تحقيقاً للتمثيل فيكون المعنى: وإن أوهن ما يعتمد به في الدين دينهم.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْء } على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم، وقرأ البصريان بالياء حملاً على ما قبله و { مَا } استفهامية منصوبة بـ { تَدْعُونَ } و { يَعْلَمْ } معلقة عنها و { مِنْ } للتبيين أو نافية و { مِنْ } مزيدة و { شَىْء } مفعول { تَدْعُونَ } أو مصدرية و { شَىْء } مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول { تَدْعُونَ } عائدها المحذوف، والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل وعلى الأخيرين وعيد لهم. { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئاً بمن هذا شأنه، وأن الجماد بالإِضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية كالمعدوم، وأن من هذا وصفه قادر على مجازاتهم.

{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ } يعني هذا المثل ونظائره. { نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } تقريباً لما بعد من أفهامهم. { وَمَا يَعْقِلُهَا } ولا يعقل حسنها وفائدتها. { إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال: " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه "

{ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } محقاً غير قاصد به باطلاً، فإن المقصود بالذات من خلقها إفادة الخير والدلالة على ذاته وصفاته كما أشار إليه بقوله: { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } لأنهم المنتفعون به.

{ ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } تقرباً إلى الله تعالى بقراءته وتحفظاً لألفاظه واستكشافاً لمعانيه، فإن القارىء المتأمل قد ينكشف به بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر } بأن تكون سبباً للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله وتورث النفس خشية منه. روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه، فوصف له عليه السلام فقال:

السابقالتالي
2