الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

{ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بقلوبهم. { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } فيجازي الفريقين.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا } الَّذِي نسلكه في ديننا. { وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة، وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كانت تشجيعاً لهم عليه، وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله: { وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مّن شَىْءٍ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } من الأولى للتبيين والثانية مزيدة والتقدير: وما هم بحاملين شيئاً من خطاياهم.

{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } أثقال ما اقترفته أنفسهم. { وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } وأثقالاً أخر معها لما تسببوا له بالإِضلال والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شيء. { وَلَيُسْـئَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } سؤال تقريع وتبكيت. { عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من الأباطيل التي أضلوا بها.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } بعد المبعث، إذ روي أنه بعث على رأس الأربعين ودعا قوماً تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين، ولعل اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة إلى السامع، فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما يكابده من الكفرة واختلاف المميزين لما في التكرير من البشاعة. { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ } طوفان الماء وهو لما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو نحوهما. { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } بالكفر.

{ فأَنْجَيْنـٰهُ } أي نوحاً عليه الصلاة والسلام. { وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ } ومن أركب معه من أولاده وأتباعه وكانوا ثمانين. وقيل ثمانية وسبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث. { وَجَعَلْنَـٰهَا } أي السفينة أو الحادثة. { ءَايَةً لّلْعَـٰلَمِينَ إِنَّ } يتعظون ويستدلون بها.

{ وَإِبْرٰهِيمَ } عطف على { نُوحاً } أو نصب بإضمار اذكر، وقرىء بالرفع على تقدير ومن المرسلين إبراهيم. { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } ظرف لأرسلنا أي أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره بحيث عرف الحق وأمر الناس به، أو بدل منه بدل اشتمال إن قدر باذكر. { وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } مما أنتم عليه. { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } الخير والشر وتميزون ما هو خير مما هو شر، أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر العلم دون نظر الجهل.

{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } وتكذبون كذباً في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى، أو تعملونها وتنحتونها للإِفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل، وقرىء »تخلقون« من خلق للتكثير »وَتَخْلُقُونَ« من تخلق للتكلف، و { إِفْكاً } على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقاً ذا إفك.

السابقالتالي
2