الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ }

مكية وقيل إلا قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب

إلى قوله لا نبتغي الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية

{ بسم الله الرحمن الرحيم }

{ طسم }.

{ تِلْكَ ءايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ }.

{ نَتْلُو عَلَيْكَ } نقرؤه بقراءة جبريل، ويجوز أن يكون بمعنى ننزله مجازاً. { مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ } بعض نبئهما مفعول { نتلو }. { بِٱلْحَقّ } محقين. { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } لأنهم المنتفعون به.

{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلاْرْضِ } استئناف «مبين» لذلك البعض، والأرض أرض مصر. { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } فرقاً يشيعونه فيما يريد، أو يشيع بعضهم بعضاً في طاعته أو أصنافاً في استخدامه استعمل كل صنف في عمل، أو أحزاباً بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه. { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ } وهم بنو إسرائيل، والجملة حال من فاعل { جَعَلَ } أو صفة لـ { شِيَعاً } أو استئناف، وقوله: { يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } بدل منها، كان ذلك لأن كاهناً قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده، وذلك كان من غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه. { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد.

{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأَرْضِ } أن نتفضل عليهم بإنقاذهم من بأسه، { وَنُرِيدُ } حكاية حال ماضية معطوفة على { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } من حيث إنهما واقعان تفسير للـ { نَبَأَ } ، أو حال من { يَسْتَضْعِفُ } ولا يلزم من مقارنة الإِرادة للاستضعاف مقارنة المراد له، لجواز أن يكون تعلق الإِرادة به حينئذ تعلقاً استقبالياً مع أن منة الله بخلاصهم لما كانت قريبة الوقوع منه جاز أن تجري مجرى المقارن. { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } مقدمين في أمر الدين. { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } لما كان في ملك فرعون وقومه.

{ وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أرض مصر والشام، وأصل التمكين أن تجعل للشيء مكاناً يتمكن فيه ثم استعير للتسليط. وإِطلاق الأمن. { وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ } من بني إسرائيل. { مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم. وقرأ حمزة والكسائي { ويري } بالياء و { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا } بالرفع.

{ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ } بإلهام أو رؤيا. { أَنْ أَرْضِعِيهِ } ما أمكنك إخفاؤه. { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } بأن يحس به. { فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمّ } في البحر يريد النيل. { وَلاَ تَخَافِى } عليه ضيعة ولا شدة. { وَلاَ تَحْزَنِى } لفراقه. { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } عن قريب بحيث تأمنين عليه. { وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } روي أنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها، فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية، فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب المواليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتاً فقذفته في النيل.

{ فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيهاً له بالغرض الحامل عليه. وقرأ حمزة والكسائي { وَحَزَناً }. { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ } في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفاً لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم، فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به، وقرىء «خاطين» تخفيف { خَـٰطِئِينَ } أو «خاطين» الصواب إلى الخطأ.