الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة. { مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } أقوام نوح وهود وصالح ولوط. { بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } أنواراً لقلوبهم تتبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل. { وَهَدًىٰ } إلى الشرائع التي هي سبل الله تعالى. { وَرَحْمَةً } لأنهم لو عملوا بها نالوا رحمة الله سبحانه وتعالى. { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر، وقد فسر بالإِرادة وفيه ما عرفت.

{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِىّ } يريد الوادي، أو الطور فإنه كان في شق الغرب من مقام موسى، أو الجانب الغربي منه والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما كنت حاضراً. { إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } إذ أوحينا إليه الأمر الذي أردنا تعريفه. { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } للوحي إليه أو على الوحي إليه، وهم السبعون المختارون الميقات، والمراد الدلالة على أن إخباره عن ذلك من قبيل الإِخبار عن المغيبات التي لا تعرف إِلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله:

{ وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } أي ولكنا أوحينا إليك لأنا أنشأنا قروناً مختلفة بعد موسى فتطاولت عليهم المدد، فحرفت الأخبار وتغيرت الشرائع واندرست العلوم، فحذفت المستدرك وأقام سببه مقامه. { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } مقيماً. { فِى أَهْلِ مَدْيَنَ } شعيب والمؤمنين به. { تَتْلُو عَلَيْهِمْ } تقرأ عليهم تعلماً منهم. { ءَايَـٰتِنَا } التي فيها قصتهم. { وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } إياك ومخبرين لك بها.

{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } لعل المراد به وقت ما أعطاه التوراة وبالأول حين ما استنبأه لأنهما المذكوران في القصد. { وَلَـٰكِنِ } علمناك. { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } وقرئت بالرفع على هذه { رَحْمَةً مّن رَبِّكَ }. { لِتُنذِرَ قَوْماً } متعلق بالفعل المحذوف. { مَّا أَتَـٰهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى، وهي خمسمائة وخمسون سنة، أو بينك وبين إسماعيل، على أن دعوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم. { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يتعظون.

{ وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } { لَوْلاَ } الأولى امتناعية والثانية تحضيضية واقعة في سياقها، لأنها إنما أجيبت بالفاء تشبيهاً لها بالأمر مفعول يقولوا المعطوف على تصيبهم بالفاء المعطية معنى السببيّة المنبهة على أن القول هو المقصود بأن يكون سبباً لانتفاء ما يجاب به، وأنه لا يصدر عنهم حتى تلجئهم العقوبة والجواب محذوف والمعنى: لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ربنا هلا أرسلت إلينا رسولاً يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين، ما أرسلناك أي إنما أرسلناك قطعاً لعذرهم وإلزاماً للحجة عليهم. { فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ } يعني الرسول المصدق بنوع من المعجزات. { وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ } من الكتاب جملة واليد والعصا وغيرها اقتراحاً وتعنتاً.

السابقالتالي
2