الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ }

{ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ } أي فألقاها فصارت ثعباناً واهتزت { فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ }. { كَأَنَّهَا جَانٌّ } في الهيئة والجثة أو في السرعة. { وَلَّىٰ مُدْبِراً } منهزماً من الخوف. { وَلَمْ يُعَقّبْ } ولم يرجع. { يَا مُوسَىٰ } نودي يا موسى. { أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } من المخاوف، فإنه لايَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } [النمل: 10]

{ ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } أدخلها. { تَخْرُجُ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } عيب. { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريراً لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة، ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه. { مِنَ ٱلرَّهْبِ } من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلداً وضبطاً لنفسك. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بضم الراء وسكون الهاء، وقرىء بضمهما، وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات. { فَذَانِكَ } إشارة إلى العصا واليد، وشدده ابن كثير وأبو عمرو ورويس. { بُرْهَانَـٰنِ } حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض، ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن. { مِن رَبّكَ } مرسلاً بهما. { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم.

{ قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } بها.

{ وَأَخِى هَـرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً } معيناً وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء، وقرأ نافع «رداً» بالتخفيف. { يُصَدّقُنِى } بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة. { إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } ولساني لا يطاوعني عند المحاجة، وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب، وقرأ عاصم وحمزة { يُصَدّقُنِى } بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف.

{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور، ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد. { وَنَجْعَلَ لَكُمَا سُلْطَـٰناً } غلبة أو حجة. { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } باستيلاء أو حجاج. { بِـئَايَـٰتِنَا } متعلق بمحذوف أي اذهبا بآياتنا، أو بـ { نَجْعَلِ } أي نسلطكما بها، أو بمعنى «لا يصلون» أي تمتنعون منهم، أو قسم جوابه «لا يصلون»، أو بيان لـ { ٱلْغَـٰلِبُونَ } في قوله: { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } بمعنى أنه صلة لما بينه أو صلة له على أن اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي.

{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُّوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا بَيّنَـٰتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } سحر تختلقه لم يفعل قبل مثله، أو سحر تعمله ثم تفتريه على الله؛ أو سحر موصوف بالإِفتراء كسائر أنواع السحر.

السابقالتالي
2