الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاساً } شبه ظلامه باللباس في ستره. { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } راحة للأبدان بقطع المشاغل، وأصل السبت القطع أو موتاً كقوله:وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } [الأنعام: 60] لأنه قطع الحياة ومنه المسبوت للميت. { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } ذا نشور أي انتشار ينتشر فيه الناس للمعاش، أو بعث من النوم بعث الأموات فيكون إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذج للموت والنشور. وعن لقمان عليه السلام يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر.

{ وَهُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ } وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس. { نشَرًا } ناشرات للحساب جمع نشور، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به وعاصم { بُشْرًا } تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يعني قدام المطر. { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً طَهُوراً } مطهراً لقوله { لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ }. وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به. قال عليه الصلاة والسلام " التراب طهور المؤمن " " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعاً إحداهن بالتراب " وقيل بليغاً في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب، وتوصيف الماء به إشعاراً بالنعمة فيه وتتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته، وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى.

{ لّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } بالنبات وتذكير { مَيْتًا } لأن البلدة في معنى البلد، ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجرى مجرى الجامد. { وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـٰماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسي، وتخصيصهم لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار، والمنافع فيهم وبما حولهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالباً مع أن مساق هذه الآيات كما هو للدلالة على عظم القدرة، فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام قنية الإِنسان وعامة منافعهم وعلية معايشهم منوطة بها، ولذلك قدم سقيها على سقيهم كما قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها، وقرىء { نسقيه } بالفتح وسقى وأسقى لغتان، وقيل أسقاه جعل له سقياً { وَأَنَاسِيَّ } بحذف ياء وهو جمع إنسي أو إنسان كظرابي في ظربان على أن أصله أناسين فقلبت النون ياء.

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ } صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وسائر الكتب، أو المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما، وعن ابن عباس رضي الله عنه: «ما عام أمطر من عام ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء وتلا هذه الآية» أو في الأنهار والمنافع.

السابقالتالي
2 3