الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } * { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } * { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } * { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ } لا يأملون. { لِقَاءَنَا } بالخير لكفرهم بالبعث، أولا يخافون { لِقَاءنَا } بالشر على لغة تهامة، وأصل اللقاء الوصول إلى الشيء ومنه الرؤية فإنه وصول إلى المرئي، والمراد به الوصول إلى جزائه ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول. { لَوْلاَ } هلا. { أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَٰـئِكَةُ } فتخبرنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل فيكونوا رسلاً إلينا. { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } فيأمرنا بتصديقه واتباعه. { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ } أي في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق لأفراد من الأنبياء الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك. { وَعَتَوْا } وتجاوزوا الحد في الظلم. { عُتُوّاً كَبِيراً } بالغاً أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية، واللام جواب قسم محذوف وفي الاستئناف بالجملة حسن وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم كقوله:
وَجَارَةُ جَسَّاسٍ أَبأنا بِنَابِهَا   كُلَيْباً عَلَتْ نَاب كُلَيْب بوَاؤهَا
{ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَٰـئِكَةَ } ملائكة الموت أو العذاب، و { يَوْمَ } نصب باذكر أو بما دل عليه. { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ } فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها، و { يَوْمَئِذٍ } تكرير أو خبر و { لّلْمُجْرِمِينَ } تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام، أو لـ { بُشْرىً } إن قدرت منونة غير مبنية مع { لا } فإنها لا تعمل، وللـ { مُّجْرِمِينَ } إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان ولا يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر، وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلاً على جرمهم وإشعاراً بما هو المانع للبشرى والموجب لما يقابلها. { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ، هذه الكلمة استعاذة وطلباً من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه، أو تقولها الملائكة بمعنى حراماً عليكم الجنة أو البشرى. وقرىء { حجْراً } بالضم وأصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقعدك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه، ووصفه بمحجوراً للتأكيد كقولهم: موت مائت.

{ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً } أي وعمدنا إلى ما عملوا في كفرهم من المكارم كقرى الضيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف فأحبطناه لفقد ما هو شرط اعتباره، وهو تشبيه حالهم وأعمالهم بحال قوم استعصوا على سلطانهم فقدم إلى أشيائهم فمزقها وأبطلها ولم يبق لها أثراً، والـ { هَبَاء } غبار يرى في شعاع يطلع من الكوة من الهبوة وهي الغبار، و { مَّنثُوراً } صفته شبه عملهم المحبط بالهباء في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه أو تفرقه نحو أغراضهم التي كانوا يتوجهون به نحوها، أو مفعول ثالث من حيث إنه كالخبر بعد الخبر كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4