الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } * { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } * { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } * { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً }

مكية وآيها سبع وسبعون آية

{ بسم الله الرحمن الرحيم }

{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير، أو تزايد على كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله، فإن البركة تتضمن معنى الزيادة، وترتيبه عن إنزاله { ٱلْفُرْقَانَ } لما فيه من كثرة الخير أو لدلالته على تعاليه. وقيل دام من بروك الطير على الماء ومنه البركة لدوام الماء فيها، وهو لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى و { ٱلْفُرْقَانَ } مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقريره أو المحق والمبطل بإعجازه أو لكونه مفصولاً بعضه عن بعض في الإِنزال، وقرىء «على عباده» وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته كقوله تعالى:وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ } [النور: 34] أو الأنبياء على أن { ٱلْفُرْقَانَ } اسم جنس للكتب السماوية. { لِيَكُونَ } العبد أو الفرقان. { لّلْعَـٰلَمِينَ } للجن والإِنس. { نَذِيراً } منذراً أو إنذاراً كالنكير بمعنى الإِنكار، هذه الجملة وإن لم تكن معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى المعلوم وجعلت صلة.

{ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } بدل من الأول أو مدح مرفوع أو منصوب. { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } كزعم النصارى. { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } كقول الثنوية أثبت له الملك مطلقاً ونفى ما يقوم مقامه وما يقاومه فيه ثم نبه على ما يدل عليه فقال: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } أحدثه إحداثاً مراعى فيه التقدير حسب إرادته كخلقه الإِنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة. { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } فقدره وهيأه لما أراد منه من الخصائص والأفعال، كتهيئة الإِنسان للإِدراك والفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك، أو { فَقَدَّرَهُ } للبقاء إلى أجل مسمى. وقد يطلق الخلق لمجرد الإِيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده حتى لا يكون متفاوتاً.

{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً } لما تضمن الكلام إثبات التوحيد والنبوة أخذ في الرد على المخالفين فيهما. { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } لأن عبدتهم ينحتونهم ويصورونهم. { وَلاَ يَمْلِكُونَ } ولا يستطيعون. { لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً } دفع ضر. { وَلاَ نَفْعاً } ولا جلب نفع. { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً } ولا يملكون إماتة أحد وإحياءه أولاً وبعثه ثانياً ومن كان كذلك فبمعزل عن الأُلوهية لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها، وفيه تنبيه على أن الإِله يجب أن يكون قادراً على البعث والجزاء.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ } كذب مصروف عن وجهه. { ٱفْتَرَاهُ } اختلقه. { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ } أي اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم وهو يعبر عنها بعبارته، وقيل جبر ويسار وعداس وقد سبق في قوله

السابقالتالي
2