الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ }

{ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ } المستثنى. { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } الكاملون في العدوان.

{ وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ } لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق. { رٰعُونَ } قائمون بحفظها وإصلاحها، وقرأ ابن كثير هنا وفي «المعارج» { لأمانتهم } على الإِفراد ولأمن الإِلباس أو لأنها في الأصل مصدر.

{ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ } يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها، ولفظ الفعل فيه لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي، وليس ذلك تكريراً لما وصفهم به أولاً فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها، وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها.

{ أُوْلَـٰئِكَ } الجامعون لهذه الصفات. { هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ } الأحقاء بأن يسموا وُرَّاثاً دون غيرهم.

{ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيماً لها وتأكيداً، وهي مستعارة لاستحقاقهم الفردوس من أعمالهم، وإن كان بمقتضى وعده مبالغة فيه. وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار. { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } أنث الضمير لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ } من خلاصة سلت من بين الكدر. { مِن طِينٍ } متعلق بمحذوف لأنه صفة لـ { سُلَـٰلَةٍ } أو من بيانية أو بمعنى { سُلَـٰلَةٍ } لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأولى، والإِنسان آدم عليه الصلاة والسلام خلق من صفوة سلت من الطين، أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفاً بعد أدوار. وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته.

{ ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ } ثم جعلنا نسله فحذف المضاف. { نُّطْفَةٍ } بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة، وتذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء. { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } مستقر حصين يعني الرحم، وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل للمبالغة كما عبر عنه بالقرار.

{ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء. { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } فصيرناها قطعة لحم. { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً } بأن صلبناها. { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً } مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها، واختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات والجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة، وقرأ ابن عامر وأبو بكر على التوحيد فيهما اكتفاء باسم الجنس عن الجمع، وقرىء بإفراد أحدهما وجمع الآخر. { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً ءَاخَر } وهو صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخه فيه أو المجموع، و { ثُمَّ } لما بين الخلقين من التفاوت، واحتج به أبو حنيفة على أن من غصب بيضة أفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر. { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ } فتعالى شأنه في قدرته وحكمته. { أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } المقدرين تقديراً فحذف المميز لدلالة { ٱلْخَـٰلِقِينَ } عليه.

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيّتُونَ } لصائرون إلى الموت لا محالة، ولذلك ذكر النعت الذي للثبوت دون اسم الفاعل وقد قرىء به.

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تُبْعَثُونَ } للمحاسبة والمجازاة.