الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } من إمكانه وكونه مقدوراً، وقرىء { مّنَ ٱلْبَعْثِ } بالتحريك كالجلب. { فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ } أي فانظروا في بدء خلقكم فإنه يزيح ريبكم فإنا خلقناكم. { مّن تُرَابٍ } بخلق آدم منه، أو الأغذية التي يتكون منها المني. { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } مني من النطف وهو الصب. { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } قطعة من الدم جامدة. { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } قطعة من اللحم وهي في الأصل قدر مما يمضغ. { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة أو تامة وساقطة أو مصورة وغير مصورة. { لّنُبَيّنَ لَكُمْ } بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا وأن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها أخرى، وأن من قدر على تغييره وتصويره أولاً قدر على ذلك ثانياً، وحذف المفعول إيماء إلى أن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وحكمته ما لا يحيط به الذكر. { وَنُقِرُّ فِى ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَاء } أن نقره. { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو وقت الوضع وأدناه بعد ستة أشهر وأقصاه أربع سنين، وقرىء «ونقره» بالنصب وكذا قوله: { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } عطفاً على «نبيِّن» كأن خلقهم مدرجاً لغرضين تبيين القدرة وتقريرهم في الأرحام حتى يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف، وقرئا بالياء رفعاً ونصباً ويقر بالياء { وَنُقِرُّ } من قررت الماء إذا صببته، و { طِفْلاً } حال أجريت على تأويل كل واحد أو للدلالة على الجنس أو لأنه في الأصل مصدر. { ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ أَشُدَّكُـمْ } كمالكم في القوة والعقل جمع شدة كالأنعم جمع نعمة كأنها شدة في الأمور. { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } عند بلوغ الأشد أو قبله. وقرىء { يَتَوَفَّى } أو يتوفاه الله تعالى. { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } وهو الهرم والخرف، وقرىء بسكون الميم. { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما عمله وينكر ما عرفه، والآية استدلال ثان على إمكان البعث بما يعتري الإِنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة، فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره. { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رماداً. { فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاء ٱهْتَزَّتْ } تحركت بالنبات. { وَرَبَتْ } وانتفخت، وقرىء «وربأت» أي ارتفعت. { وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ } من كل صنف { بَهِيجٍ } حسن رائق، وهذه دلالة ثالثة كررها الله تعالى في كتابه لظهورها وكونها مشاهدة.