الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } * { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }

{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسبباً لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فإنها سريعة الزوال.

{ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } ما يتلهى به ويلعب. { لاَّتَّخَذْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا } من جهة قدرتنا، أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام المبسوطة كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفرش وتزيينها، وقيل اللهو الولد بلغة اليمن وقيل الزوجة والمراد به الرد على النصارى { إِن كُنَّا فَـٰعِلِينَ } ذلك ويدل على جواب الجواب المتقدم. وقيل { إِن } نافية والجملة كالنتيجة للشرطية.

{ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ } إِضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو. { فَيدمغه } فيمحقه، وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويره لابطاله ومبالغة فيه، وقرىء { فَيَدْمَغُهُ } بالنصب كقوله:
سَأَتْرُكْ مَنْزِلي لَبَنِي تَمِيم   وَأَلْحَق بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا
ووجه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على «الحق». { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز. { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } مما تصفونه به مما لا يجوز عليه، وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة.

{ وَلَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضِ } خلقاً وملكاً. { وَمَنْ عِندَهُ } يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، وهو معطوف على { مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه، أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره: { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } لا يتعظمون عنها. { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } ولا يعيون منها، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهاً على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون.

{ يُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } ينزهونه ويعظمونه دائماً. { لاَ يَفْتُرُونَ } حال من الواو في { يسبحون } وهو استئناف أو حال من ضمير قبله.

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ ءَالِهَةً } بل اتخذوا والهمزة لإِنكار اتخاذهم. { مِّنَ ٱلأَرْضِ } صفة لآلهة أو متعلقة بالفعل على معنى الابتداء، وفائدتها التحقير دون التخصيص. { هُمْ يُنشِرُونَ } الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لكن لزم ادعاؤهم لها الإِلهية، فإن من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم، وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الانشار بهم.

{ وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ } غير الله، وصف بـ { إِلاَّ } لتعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه، والمراد ملازمته لكونها مطلقاً أو معه حملاً لها على غير كما استثنى بغير حملاً عليها، ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب.

السابقالتالي
2