الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } * { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } * { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } * { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } * { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ }

{ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } مرفوع صفة لـ { رَبّى } أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح. وقرأ الكوفيون هنا وفي «الزخرف» { مهداً } أي كالمهد تتمدونها، وهو مصدر سمي به، والباقون مهاداً وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في «النبأ». { وَسَلَكَ لَكُمْ سُبُلاً } وجعل لكم فيها سبلاً بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها. { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } مطراً. { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى، تنبيهاً على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذاناً بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته، وعلى هذا نظائره كقوله:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } [فاطر: 27]أَم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ } [النمل: 60] الآية. { أَزْوٰجاً } أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض. { مّن نَّبَـٰتٍ } بيان أو صفة لأزواجاً وكذلك: { شَتَّىٰ } ويحتمل أن يكون صفة لـ { نَبَاتُ } فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع، وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال:

{ كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَـٰمَكُمْ } وهو حال من ضمير { فَأَخْرَجْنَا } على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين { كُلُواْ وَٱرْعَوْا } ، والمعنى معديهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لأَيَـٰتٍ لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية.

{ مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ } فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم. { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بالموت وتفكيك الأجزاء. { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها.

{ وَلَقَدْ أَرَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا } بصرناه إياها أو عرفناه صحتها. { كُلَّهَا } تأكيد لشمول الأنواع أو لشمول الأفراد، على أن المراد بآياتنا آيات معهودة وهي الآيات التسع المختصة بموسى، أو أنه عليه السلام أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من المعجزات { فَكَذَّبَ } موسى من فرط عناده. { وَأَبَىٰ } الإِيمان والطاعة لعتوه.

{ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } أرض مصر. { بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقاً حتى خاف منه على ملكه، فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه.

{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ } مثل سحرك. { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَّوْعِدًا } وعداً لقوله: { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ } فإن الإِخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب. { مَكَاناً سُوًى } بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف، أو بأنه بدل من { مَّوْعِدًا } على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله.

السابقالتالي
2 3 4